26 نوفمبر، 2024 6:07 ص
Search
Close this search box.

الشهيد السباح الدولي محسن الهاشمي

الشهيد السباح الدولي محسن الهاشمي

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
شمل الطاغية المقبور صدام حسين، الرياضيين بهجمته الطاغوتية، التي تواصلت خمسة وثلاثين عاما من التنكيل والتعذيب الجسدي والنفسي، والتسفير القسري بتجريد الناس من جنسيتهم.. للرياضيين ضعفا من العذاب، ضمن فئات الشعب التي وزع بينها ظلمه بالتساوي، ومنهم السباح الدولي.. الشهيد محسن كاظم الهاشمي، الذي تقلد أوسمة عن بطولات محلية وخارجية، أحرزها فخرا للعراق، الذي جعله صدام يتنكر لأبنائهم، مثل كائن خرافي يأكل حشاشته.
 
إبن الشاطئ
ولد الشهيد الهاشمي، يوم 1 تموز 1961، في (الشواكة) وهي مدينة تتوسد شاطئ (دجلة) من كرخ بغداد، مالئا ضيق أزقتها بمرح طفولي محبب، يهفو إليه الجميع.
إمتهن أبناء الشواطئ السباحة هواية وإحترافا؛ فكان منذ نعومة إظفاره رياضيا مشهورا يعشق العوم، على رقراق مياه النهر الذي تطهرت به أرواح العراقيين، التي دنس الأرض من حولها، طغاة التاريخ المتعاقبون جورا عليها؛ إذ نشا وترعرع في كنف عائلة تحب الرياضة والأدب، فوالده رياضي وأديب.. الولد على سر أبيه..
لعب محسن ضمن تشكيلة نادي الكرخ الرياضي، وشارك في بطولات.. محلية ودولية.. حاز عنها على أوسمة وجوائز في الملاكمة والسباحة؛ فقد طاف المكسيك و قطر والبحرين وغيرها، يحصد المجد للوطن.
هامش من ميوله، جمع الأحجار الكريمة؛ فاعتمد كليا على نفسه، مفتتحا محلا تجاريا، يتداول فيه حجرا ماسيا من الحجم الكبير، يمتلكه، وفي يوم جاءته مجموعة من الأشخاص بحجة شراء هذه الماسة، وعندما أخرجها؛ قبضوا عليه وظهر أنهم من رجال الأمن العامة..  سيئة الصيت؛ فسجن على هذا الأساس يوم 25 آب 1987، لمدة ثمانية اشهر ولفقت له تهمة مفبركة وجاهزة وهي التهجم على سياسة النظام البائد فصادروا منه المحل ومقتنياته الثمينة كلها.
لاقى الشهيد خلال فترة اعتقاله، اشد أنواع التعذيب وأقساها نفسيا وجسديا،  وبعد خروجه من أنياب الذئاب ومخالبها والتي لا ترحم، تزوج وأمتلك محلا؛ لصياغة الذهب؛ مستثمرا خبرته، في النقش على الأحجار الكريمة؛ لإحراز ثقة الزبائن؛ فذاع صيته بين الصاغة في المحافظات كافة.
 
القشة والبعير
طلبت منه صياغة حجر ماس على شكل خاتم رجالي؛ وعندما أخرجته من حقيبتها ذهل؛ لأنه الحجر الذي سجن بسببه.
تساءل: “من أين لكي هذا؟ انه ثمين جدا” أجابت: “إنه لعدي صدام حسين” أخذ الخاتم، مكرها على صياغته.. بعد فترة تسلمت الخاتم منه مذهولة بدقة إتقانه الصنعة، التي نفحته مبلغا كبيرا نظيرها، وقالت أنه فن راق؛ وأن الجماعة اعجبوا بصياغته هذه، ويريدونك صائغا خاصا بهم.
وقع بين أمرين.. لا يطيق سماع ذكرهم ولا يستطيع أن يرفض لهم أمرا.. مكرها أخاك لا بطل؛ يتعامل مع الطاغية الصغير عدي صدام يصنع أحجارا كريمة ويثمنها له.
لم يعجبه هذا الوضع أبدا” فهو دائم السفر إلى لبنان وإيران، ملتقيا بأصدقاء معارضين او هاربين من بطش صدام، حتى سنحت له فرصة المشاركة في الانتفاضة الشعبانية المباركة، منتصف آذار 1991 في كربلاء المقدسة، منسلخا عنهم.. عدي وأبيه وجوقهما الظالم.
 
البكاء محظور
مرت الأيام مرارة وعذابا.. بين فرح يوم أو ساعة وبين نكد سنة وأنجب بنتين، مثل وردتين تتفتحان.. وذات يوم مغبر الظلمات.. 19 تشرين الاول 1993، إعتقلته الأجهزة القمعية للنظام البائد، ولم يعلم به احد أو يعرف عنه شيئا.
عقب معاناة وبحث مستمر، ومال دفعوه؛ عرفوا انه في سجن الأمن العامة، مستحصلين سماحا لزوجته وابنتيه وأهله برؤيته، أخرجوه عليهم مع اثنين من الجلادين، مكتوفا، يجرجرانه وقدماه تنسحبان على الأرض كأنها خيوط بالية؛ جراء التعذيب الممض الذي تعرض له.
بلغت منه القوة ان نهاهم عن البكاء؛ لأن ذاك يعد إعتراضا على إنتمائه لله، من خلال الدفاع عن المقدسات ضد الطاغية، حتى انه لم يخبرهم بحكم الإعدام الذي سينفذ فيه، حتى إتصلت مديرية أمن بغداد، بزوجته، في التاسعة من ليل 15 أيلول 1995؛ يخبرونها: “تعالي غدا في الثامنة صباحا؛ لتسلم زوجك” قافلين الخط.
ليلة من الفرح قضتها تحلم بالحياة الجديدة، التي ستعيشها مع محسن.. صباحا توجهت وأخوه الى أمن بغداد، ووقعت مجموعة من الاوراق، وتسلمت بعضا من حاجياته، وعادا الى البيت، بإنتظار إطلاق سراحه، لكنهما وجدا الجثة قد سبقتهما!
علمت من والد زوجها وهو منهار من البكاء، أنها وقعت على إعترافها بإستحقاقه الإعدام، وتعهدها بعدم نصب مأتم له!
قضت المحكمة الخاصة بإعدامه، يوم 6 تشرين الثاني 1994 ونفذ في 8 آذار 1995 محشورا مع عدد مهول من جثامين شباب إكتظت بهم الجملونات لمدة شهرين بلا تغسيل ولا تكفين.
أي إذلال إنساني أشد من مثل هذه المصائب في تاريخ الشعوب.

 

أحدث المقالات