23 ديسمبر، 2024 8:25 ص

الشهيد الآشوري ( عظمة القضية )

الشهيد الآشوري ( عظمة القضية )

ضحية المساومات السياسية والمنافع الشخصية

دماء زكية لشعب حي أنتفض مسالما من على أرضه التاريخية ( بيث نهرين ) معقل الحضارة والمدنية والعلوم مناديا بالحرية التي كان يعشقها الآشوري وأفتقد عبقها بسقوط نينوى عام 612 ق م كي تتوالى عليه بعد أنهيار كيان آشور السياسي عمليات الأضطهادات الوحشية اللأنسانية أبتداءا ببلاد فارس مرورا بأباطرة الروم لتليها الغزوات العربية الأسلامية ألى الغزو البربري المغولي القادم من أواسط أسيا ومن ثم حمامات الدماء التي جلبها السلاطين العثمانيين ممارسين أقسى وأبشع صور التنكيل والأبادة الجماعية بحق أبناء آشور ومجازر سيفو ( السيف ) الهمجية بين عامي 1319 و1915 والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من الآشوريين دليل صارخ ولطخة سوداء في تاريخ تركيا المعاصر سليلة العثمانيين , وبين هذا المستعمر وذاك حيث لعبت أرسالات الخبث التبشيرية وتحت غطاء المسيحية دورا قذرا هي الأخرى في بث سموم الفرقة والحقد والكراهية داخل البيت الآشوري مستغلة وضعهم المأساوي لا بل وأيضا عملت على تأجيج الفتن وأثارة الضغائن بين الآشوريين بأعتبارهم مسيحييين وبين مسلمي المنطقة , لتفلح ما كانت قد خططت له تلكم الأرسالات وهو تمهيد الطريق للمستعمر الأنكلو فرنسي صاحب فلسفة فرّق تسد التي نجح في تطبيقها وليضع ومنذ الوهلة الأولى الشعب الآشوري هدفا لمؤامراته التساومية كونه كان يعي جيدا بأحقية هذا الشعب المكافح الصامد بالعيش بحرية وكرامة على أرض أبائه وأجداده الآشوريين المسلوبة , كما وللتاريخ أيضا هو أن نستذكر الكرد ذوي الصفحات السوداء الذين لم يبخلوا جهدا عما سبقوهم في عملية القصاص من الشعب الآشوري فكانوا وعلى الدوام عونا وبأمتياز لكل من كان يشهر السيف أو البندقية بوجه الآشوريين حيث كنت تجد أغواتهم كالأعور محمد الراوندوزي ( مير كور ) عام 1832 والسفاح بدرخان البوتاني 1843 والغدار أسماعيل الشكاكي ( سمكو ) عام 8191 والعميل الحاقد بكر صدقي عام 1933 .. ألخ يتقدمون جيوش أسيادهم للأنتقام من شعبنا الآشوري ..

كانت القضية الآشورية ولم تزل القضية الأقدم في المنطقة وبداياتها كانت تعود ألى أيام الحرب الكونية الأولى كون الشعب الآشوري كان صاحب الحق الشرعي والتاريخي على أرضه المسلوبة لكن تلك القضية وللأسف الشديد بقيت دون حل برغم شرعيتها القانونية التي أستغلها المستعمر الأنكليزي لصالحة كسيف ذو حدين في المساومات السياسية بينه والحكومة الرجعية العراقية من جهة وتركيا العثمانية المجرمة من جهة أخرى عندما ركزت بريطانيا جهودها على ضم ولاية الموصل ألى العراق لما فيها من ثروات نفطية , ففي أوائل نيسان عام 1924 أعلمت الحكومة البريطانية الحكومة العراقية بنيتها المطالبة بان يسلم إلى العراق جزء من الإقليم الآشوري فعقدت لأجل ذلك مؤتمراً مع تركيا في القسطنطينية بتاريخ 21/5/1924 حينها صرح السير بيرسي كوكس ممثل بريطانيا ان عائديه ولاية الموصل هي للآشوريين و انهم (أي الآشوريين) عانوا كثيرا تحت الحكم التركي لكنه وبالنظر لعدم الاستعداد لتلبية مطامحهم كاملةً قررت حكومة صاحب الجلالة ان تسعى لضمان معاهدة حدود صالحة تسمح في ذات الوقت بتأسيس دولة آشورية في حدود الإقليم , وهكذا لتستمر المساومات الخسيسة على حساب الأرض الآشورية والدم الآشوري , أنه وفي تشرين الثاني من عام 1925 تمت الموافقة من قبل عصبة الأمم على التوصية المقدمة من لجنة الحدود بأهداء هكاري الأرض الآشورية لتركيا مع حصة من النفط و في المقابل تم ضم ولاية الموصل إلى العراق لاسكان الآشوريين فيها في تجمعات متجانسة وبشكل مستقل ومنحهم حكماً ذاتياً.

بعد سنوات و تحديدا في 15/10/1932 جاء تأكيد آخر على حقوق الآشوريين إذ صدرت توصية مجلس عصبة الأمم في الجلسة الرابعة عشر والتي قضت بإسكان الآشوريين في وحدات متجانسة لضمان وحماية ممارستهم لجزء من الامتيازات والحقوق لكن الحكومة العراقية العميلة رفضت تطبيق التوصية وحاولت تمرير مشروع يقضي بإسكانهم في مناطق متفرقة وبشكل يلغي الامتيازات التي يستحقونها والرفض هذا لم يلاقي أي أعتراض من جانب المستعمر الأنكليزي المنتهج لأسلوب المماطلة والتسويف تجاه كل ما له علاقة بالقضية الآشورية , وفي 15/12/1932 أصدرت عصبة الأمم القرار ذي الرقم 69 الذي يشترط أقامة منطقة حكم ذاتي للشعب الآشوري في شمال العراق المستكرد اليوم لكنه هو الآخر بقي حبرا على ورق , علما أن مطالب الآشوريين بحقوقهم المشروعة وعبر الوسائل القانونية لم تكن تستكين حيث أنهم وما بين عامي 1931 – 1932 كانت عصبة الأمم قد أستلمت عددا من الوثائق من الآشوريين الذين حددوا فيها مطاليبهم قبيل أنتهاء الأنتداب البريطاني على العراق :

1 – وثيقتين في 20 و 23 تشرين الأول من عام 1931 من مجموعة من القادة الآشوريين من ضمنهم البطريرك الشهيد مار إيشاي شمعون تخص اللاجئين الآشوريين ومكان توطين آمن ..

2 – وثيقة ثالثة في 16- حزيران عام 1932 ألى الحكومة العراقية وعصبة الأمم تدعوهم ألى الأعتراف بالآشوريين كشعب ضمن العراق كما وتطالب في أعادة ترسيم الحدود مع تركيا بحيث تضم منطقة هكاري ( الأرض الآشورية

المغتصبة ) وأنشاء حكم ذاتي فيها أو في المناطق الجنوبية المتاخمة لها في ( زاخو والعمادية ودهوك ) , وطالبت الوثيقة ايضا بالأعتراف بالبطريرك مار أيشاي شمعون زعيما روحيا ودنيويا على الآشوريين وتخويله صلاحية تعيين عضوا يمثلهم في البرلمان العراقي لكن الحكومة العراقية من جهتها رفضت تلكم المطاليب خشية من تلقي دعوات مماثلة من مجاميع عراقية أخرى ..

3 – في أيلول عام 1932 أصدر مار أيشاي شمعون وثيقة موجهة الى الحكومة العراقية مؤكدا فيها على حقوق الآشوريين في المطالبة بعودة هكاري ألى العراق أو توطين الآشوريين في المناطق المحاذية لها , كما وذكر فيها بأن الآشوريين كانوا قد صوتوا بضم الموصل ألى العراق في أستفتاء عام 1925 ..

وبعدها أجتمع كل من المعتمد السامي البريطاني همفري ووكيل رئيس الوزراء العراقي جعفر العسكري ووزير الداخلية ناجي شوكت وبعد أن أطلعوا على مطاليب الشعب الآشوري الموثقة قرروا أصدار تعليمات ألى متصرفية الموصل وأربيل بأنذار مالك ياقو , وأعادة تشكيل مخافر الشرطة في لواء الموصل بحيث لا يبقى مخفر يؤلف من آشوريين فقط , وأرسال مفتش ألى الهنيدي لضبط البنادق التي بحوزة قوات الليفي الآشورية وبعدها دعي البطريرك مار أيشاي شمعون ألى بغداد للتفاوض مع حكومة حكمت سليمان في حزيران 1933 ليعتقل ويضع تحت الأقامة الجبرية بعد رفضه التخلي عن مطاليب شعبه ومن ثم تم نفيه ألى جزيرة قبرص ..

وعلى هذا المنوال كانت مؤامرات هضم الحق الآشوري الطبيعي في أرض الجدود بيث نهرين تتوالى دون أستكانة برغم شرعيتها وأحقيتها القانونية كما ذكرنا أعلاه لتجابه أبان حكومة الكيلاني المجرمة بواحدة من أبشع الفضائع التي يندى لها جبين البشرية ألا وهي مذابح آب عام 1933 التي أبيد فيها أكثر من خمسة آلاف آشوري على مرأى ومسمع المستعمر الأنكليزي والفرنسي الذين لم يتحركا ساكنين , في الوقت الذي كان فيه مار أيشاي شمعون رهن الأقامة الجبرية في بغداد العاصمة .. هذه المجزرة وما سبقتها وما ستلحقها من المجازر لم تكن في حقيقتها عملاً استوجبته الظروف الأمنية بقدر ما كانت ضربة للوجود الآشوري في العراق و محاولة للقضاء على التطلعات السياسية للآشوريين فيما يخص حقوقهم وعلى حركتهم القومية … وهنا أورد ما قاله المندوب السامي البريطاني على العراق ( السر بيرسي سخريا كوكس ) وهو من أبوين يهوديين والذي ساهم في رسم السياسة البريطانية في الوطن العربي والذي لا يقل دوره من حيث الأهمية والخطورة عن دور سايكس و بيكو في المنطقة ( إن سياسة بريطانيا نحو الآشوريين لم تكن إلا وصمة عار على درع إنكلترا القومي , ويبدو إننا ضحينا بشرفنا الخاص حيال موقفنا من الآشوريين .. !!! )

وما أشبه البارحة باليوم بعد أن كان الشهيد الآشوري ضحية المساومات السياسية ليقع اليوم فريسة المؤامرات الشخصية وضحية الرعاع النفعية , حيث تآمروا على دم الشهيد ومبادئه وأهدافه ونالوا من نكران الذات وثورية الشهيد وصيروا من أيمان الشهيد بقضيته الآشورية وتضحياته السامية ومواقفه الشجاعة مادة أعلامية ودعائية لا أكثر يتم توظيفها كعناوين عند الحاجة يتسلقون عليها للظفر بمقعد برلماني أو وزاري ,. وهنا أستوقفتني العبارة الخالدة للشهيد يوسف توما يوم كان يقتاد ألى مذبح الحرية بمعية رفاقه الغيارى يوبرت بنيامين ويوخنا أيشو ( سوف تعلوا رؤوسنا أعواد مشانقكم وستطئ رؤوسكم أقدامنا ) كي أقول أن هؤلاء الأحرار كانوا يعيشون القضية وكانت تجمعهم الثورية ونكران الذات بمعانيها الفكرية الأصيلة وأما اليوم فالأصوات علت على صوت القضية وما يجمعها هو حب الذات والنرجسية بمعانيها الثأرية , وأما عن عملية تجميل قبح المواقف السياسية التي تم ربطها بالجيوب والمقاعد ولتطغي فلسفة الخضوع على المبادئ والقيم التي أضحت فيما بعد ثقافة وتربية , والاجهاز على القضية الآشورية صارت من الثوابت لا بل سلوكا منتهجا وممارسة يومية .. فهي على الأغلب ليست بصحوة ضمير بل هي مجرد تبرئة للذمم والتنصل من مسؤوليات الماضي التي أودت بالقضية الآشورية ألى ما آلت أليه وما ستؤول له مستقبلا . وأما البكاء على أطلال التراجع عن أتخاذ القرارات طيلة عقدين ونصف من الزمن التي لم يجرؤ أحدا في زمن القرار على أتخاذها فلم تعتبر سوى عذرا أقبح من الذنب , والتي في محصلتها خلقت أولا حالة من الأحباط الذي خيم على الشارع الآشوري المحبط أصلا وأما ثانيا وهو عدم الأكتراث بدماء شهدائنا الأخيار الذين تم حشرهم بين مطرقة المواقف الهزيلة وسندان مصلحة الأنا المقيتة ..

ختاما , بما أن قضيتنا صارت بلا عنوان تعيش حاضرا متناقضا وحرجا ومسبباته ليست بخافية على أحد لذا فعلى ممتهني السياسة اللجوء نحو اعادة تنظيم أنفسهم والخروج من سباتهم والكف من تقمص دور النعامة بأعتماد البعد التحليلي والنظرة الموضوعية لمجريات الأمور والنظر لما يدور من حولهم بواقعية والتجرد نهائيا من العاطفية والأزدواجية وأيجاد صيغ للخروج من مستنقع التسميات الفاشل الذي لم يعد ينسجم وواقع البشائر الطافية أمامهم على السطح , كما ويجب التحلي ببصر وبصيرة الشهيد الذي كان يدرك جيدا بما تعنيه الآشورية من دلالات أكسبت شهادته أحترام الأخرين وطنيا وأقليميا وأنتزعت ثقة الجماهير داخل الوطن وخارجه . وبما أن قضيتنا الآشورية لها ما يميزها من ثوابت الشرعية والأصالة والعمق التاريخي التي تجلت صلابتها في نضالات قادتها المخلدون فالمنطق العقلاني يحتم

علينا العودة ألى جذور المدرسة النضالية الأساسية ومن دون أدنى تردد بأعتماد الآشورية أسما وعنوانا وفكرا ونهجا وتنظيما ومبدأ وهدفا وقضية لكونها حقيقة تاريخية وسياسية ثابتة وكون ملف القضية الآشورية ليس بملف جديد أو طارئ كباقي المللفات على الساحة العراقية والأقليمية والعالمية وجاهزة للأتقاد لو أجيد أستغلالها في أي زمان ومكان وما عداها فهو مجرد مضيعة للوقت وما يدور على الأرض خير دليل وحينها سوف لا ينفع الندم .. أذن فحتمية العودة ألى المشوار النضالي الحقيقي ومبادئه السامية التي خلدها لنا الخالدون خلال مسيرتهم البطولية والأبتعاد عن الأزدواجية لا مناص منه كونه دليل الوفاء والضبط والألتزام والأيمان المطلق بثوابت القضية وبدماء الشهداء التي أريقت على مذبح الحرية من أجل الأقرار بالوجود القومي الآشوري …

أعيدوا للآشورية مكانتها وللمواطن الآشوري شخصيته وللشهيد الآشوري وسام عظمته …

وقفة أجلال وأكبار لشهداء شعبنا الخالدين في يومهم الجلل السابع من آب يوم الشهيد الآشوري

المجد لشهداء الحرية في كل مكان

الخزي والعار لكل الذين ربطوا القرار السياسي الآشوري بالجيوب والمقاعد