{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
زهدت الشهيدة كميلة شرقي ساري، بدلال البنت المرفهة، وإختارت سبيل الله، على البطر الدنيوي المتاح لها؛ بحكم غنى عائتها؛ إذ صورةولدت، في مدينة الثورة – الصدر حاليا، العام 1961، وسط عائلة مكونة من والدين وخمس بنات وستة إخوة.. الأب يعمل عسكريا في الجيش، برتبة نائب ضابط، مؤمنا لأسرته حياة دعة وثراء؛ لإمتلاكه وكالة للشركة الإفريقية التجارية.
أجواء يسر، نشأت فيها الشهيدة ساري، التي امتازت بذكاء وفطنة؛ مكنتها من إكمال دراستها الإعدادية، منقطعة لله والكتاب، تتبتل في حضرة جلاله، متسقة مع ذاتها.. تعرف أنها لا تريد من الدنيا الا متاع الاخرة.
قدوة مثلى
سنوات عمر المراهقة أبرزت ملكاتها في التوجه الديني والوروحي، عاشقة ولهى بالقصائد الحسينية، حباها الله نعمة المقدرة والجرأة، على أن تقيم مجلساً حسينياً، تعتلي منبره وتلقي محاضرة تثقيفية، على مسامع وإصغاء جمع من نساء، محفزة وعيهن على تفهم الإسلام دينا والحسين ثائرا.. قدوة مثلى.
أضطلعت بهذا الدور الكبير، وهي لم تزل يافعة غضة الشباب.. في مقتبل عمر، أكملته خارج الدنيا، في جنة الآخرة، شهيدة بين حدقتي أعين الملائكة، في ظل الحوريات!
حلم بها مؤمنون، في عالم الرؤيا، تمتطي جناح الريح، مخترقة حواجز الفضاء، نحو جنة الخلود، قائدة سرب مؤمنات صالحات، معها يتبعن رصانة الصواب، المتجلي من طروحات محاضراتها الشيقة.
قائدة شابة
قادت الشهيدة كميلة، حملة توعية، مع فتيات مؤمنات، إنتمين من خلالها إلى صفوف حزب “الدعوة” الإسلامية، يرتص البنيان مشكلا خلية مثلى ضمت أختها وأخويها فضلا عن حشد ممتثلات لنهج ما دعت اليه محاضراتها.
لهاثا وراء المكارم المنقوعة بالدماء الطاهرة، وبعد قرار الإعدام الذي أصدره الطاغية المقبور صدام حسين، بحق كل من انتمى أو تستر أو ساعد أحد أعضاء حزب “الدعوة” وبأثر رجعي؛ شن مرتزقة حزب “البعث” هجمات على الفتيات المحجبات ومنهن الشهيدة، وهي لم تزل طالبة نشطة ومتميزة في إعدادية “الوثبة” للبنات، بمدينة الثورة.. جوادر، مقابل المستشفى الجمهوري.
أمواج الهور
سربوا في أمواج الهور، هي وأخوها وأختها جميلة وزوجها، هاربين من العراق، عبر الحدود، مع ايران، إذ عنيت إحدى قريباتهم بتسهل أمر الخروج، بواسطة “المشاحيف.. القوارب السومرية المستخدمة في المنطقة”.
غادر أخوها وزوج أختها وعادت كميلة وجميلة وصغارها إلى بغداد؛ لان الظرف لم يسمح، وواصلت عملها تشق عناء المضايقات، تصنع فسحة حرية مفترضة، في بلد ضاق بصادرة غنسانية مواطنه.
تواصلت مع أخيها الكبير عبد الأمير، وهو عسكري في شمال العراق، عبر الرسائل والتليفون، مستمدة منه العون والسند، تحت ضغط ظرف عصيب يهصر الروح، إزهاقا من الجسد.
أصدر الطاغية، عفوا.. العام 1982؛ فعاد أحد رفاق أخيها من إيران، مسلما نفسه؛ يطلب العفو؛ فعذبوه حتى إعترف على أن أخاها وزوج أختها في إيران، وأنها.. هي وآختها كانتا معهما في الاهوار.
صديق متهافت
على أثر الورطة التي تسبب بها هذا الصديق المتهافت، إتهمها الطغاة بأنها هي من هرّبتهما؛ فإعتقلت، هي وإخويها عبد الأمير شرقي.. خريج كلية الشريعة ويعمل مدرساً وحسين شرقي.. طالب في الثالث المتوسط.
دوريات من رجال أمن فائقي التدريب، حاصروا الدار بهمجية، تدل على ذعر المسلح وثبات الأعزل.. “أيضحك مأسور وتبكي طليقة.. ويسكت محزون ويندب سالي” بيت شعر قاله أبو فراس الحمداني، يغازل حمامة، وهو في الاسر، بينما البعثية وقعوا في فخ جبنهم.
فجيعة مركبة
وقعت فجيعة تفتت الصخور، لكنها لم تؤثر بضمائر شرطة الأمن الذين إقتادوها وأختها جميلة؛ فتشبث إبن إختها.. الطفل الصغير جهاد، بأمه باكياً.. صارخا.. رافضاً أن تتركه، وبذلك فجعت عائلتها بأربعة من المعتقلين، ولدين وبنتين وطفل جميلة الذي إصطحبته معها الى دهاليز المعتقل.
تنكيل بعثي
فصلوا والدها من وظيفته وصودرت أمواله؛ فهام على وجهه، يصرح بمظلوميته في كل مكان، وأمام أي مقام يلقاه، يروي ما لحق به جراء ظلم البعث وأزلام أجهزته القمعية.
عاش فضلة من فتاة وقت، يسرد قصة عائلة، شتتها المجرمون، هاجمين البيت، على رأس من تبقى فيه، يعيش حياة أقسى من الموت؛ لذا إستاؤوا منه؛ فاعتقلوه.. سادس أفراد أسرة مجاهدة.. الوالد وولدين وبنتين مع طفل بريء، هو جهاد، ذو العامين ونصف العام.
سلام مبارك
بوركت الشهيدة كميلة شرقي وعائلتها.. من تشرد هاربا؛ ينجو من بطش النظام السابق، ومن ألقي القبض عليه وإعدم، مع أثر من نصف عائلته، مسطرين سجلاً حافلاً بالبطولة، خلال عمر قصير، لم يتعدَ العشرينيات. .سلام عليهم يوم ولدوا ويوم إستشهدوا ويوم بعثوا أحياءً.