{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
حفيدات فاطمة الزهراء، بنات زينب وسكينة ومريم العذراء، يعدن للحياة توازنها، بمواقف تفوق قبائل من رجال.
والشهيدة فاطمة علي طالب الحسيني، زهرة قطف النظام السابق عطرها، قبل أن يستقر ريعان شبابها الزاهي، فهي من مواليد 1961م، خريجة الإعدادية.. أدركت معني ان يكون للانسان عقيدة يدافع عنها حتى الموت، حين زار بيتهم ابن خالتها.. سيد جمال الموسوي.. الرسالي الذي يتمتع بثقافة واسعة وخلق كريم، لبى شغفها بتطمين التساؤلات المطلقة، لها.
شلال من عذب الايمان إنهمر في خاطرها، شاغلا وجدانها، مقررة أن يكون لحياتها هدفاً الهياً مقدساً؛ واصبحت ترى الحياة بلون آخر.. أما جمال فرأى فيها خير رفيق يشاطره مسيرة الجهاد من اجل الاسلام الذي ارتضاه مبدءاً؛ فتزوجا، وتخلت عن حياة الترف التي عاشتها في بيت أهلها الراقي بشارع فلسطين، الذي إستبدلته بغرفة صغيرة متواضعة داخل بيت اهل زوجها في “الثورة”.
رهافة الفقراء
فما أعظم إيمانها، الذي أوجب عليها قناعة محببة ورضى مرهفاً، بين الفقراء.. باعت دنيا وإشترت ديناً، تشاطر زوجها جاهدا في سبيل الاسلام، منتميان لحزب “الدعوة” بفاعلية متميزة، بلغت بها موقع مسؤولة الخط النسوي في “الكرادة” و”الثورة” و”شارع فلسطين”.
لم يثنها اعتقال جمال، عن الجهاد ضد زمرة “البعث” متنتقلة بين شتى مناطق بغداد؛ تزوّد عضوات مجموعتها، بنشرات توعية وتثقيف، وتجمع المال من الميسورين لعوائل شهداء ومعتقلي “الدعوة”.
تتكرت بـ “فوطة” و”دشداشة طويلة” متظاهرة بالجهل؛ كي لاتلفت انظار رجال الامن اليها، ولكن شاءت الاقدار ان تُعتقل في كانون الثاني 1982، في امن “الثورة”.
مباراة وحشية
شهران وهي تقاوم تعذيبا خرافيا فظيعا، تتحدى جبروت الطغاة، كالصخرة الصلدة لم تجرفها سيول تعذيب وحشي يتبارى الجلادون علي الخاقاني وفراس التكريتي ومهدي الدليمي، تفننّوا به.. بدءاًمن حرق جسدها الطاهر بالكاوية الى الفلقة الكهربائية، وتعليقها بالسقف من خلاف.. وجدوها أقوى من تهافت جبروتهم الهش، فأحرقوا اجزاء من جسدها الطاهر بالتيزاب.
زاد حنقهم منها، وهي مشرقة الوجه، مثل منعة الجبال.. بعد ستة اشهر من التوقيف في أمن “الثورة” أحيلت يوم 27 أيار 1982، الى محكمة الثورة برئاسة المجرم مسلم الجبوري، الذي حكم عليها ولفيف من الشباب المؤمن بالاعدام شنقاً حتى الموت، وفق المادة /156أ.
قضت أيامها في غرفة المحكومات بالاعدام، في سجن “الرشاد” مستبشرة، ريثما حل وعد التنفيذ، يوم 24 آب 1982، تاركة سجلا من بطولات محفورة في ذاكرة التاريخ، وقد تصاغر البعثية امام صمودها.