23 ديسمبر، 2024 12:48 ص

الشهيدة صفية لفتة/165

الشهيدة صفية لفتة/165

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
تقمصت الشهيدة صفية لفتة جاسم، شخصية بطلة “الطف” العقيلة زينب.. عليها السلام، منذ بواكير وعيها المتفتح على الحياة، في بيت ثقافة وورع، أنشأها على حب المطالعة، والإنقطاع بها، عن الشؤون العامة.. غير المجدية، تبتلا لله.

بإعتبار أم الحزان، خير مثال يقتدى، من قبل فتاة مؤمنة بالله ودينه ونبيه وآل بيت الرسالة المحمدية الخالدة، التي حملتها تبليغا لا محيد عنه، مهما خفقت رماح الأمن الصدامي والسيوف البعثية وسهام الجيش الشعبي الصدئة.
ظمأ معرفي
الشهيدة جاسم، تولد 1980، بلغت الصف السادس، من الدراسة الاعدادية، قبل ان تتناوشها حلقات السجن، تفكها وتعيد الإنقباض من حولها… لم تحجب القضبان حرية صفية؛ لأنها تتصل بالله، من دون أن تعنى بظلم الإنسان للإنسان!

تعشق المطالعة، التي تروي ظمأ تعطشها للمعرفة، وتكتب شعرا حسينيا، مستفيدة من عمق تشبعها بمعاني “الطف” الكبرى؛ إذ إنتمت الى حزب “الدعوة” الاسلامية، واصبحت من العناصر الفاعلة فيه.. تجمع التبرعات لعوائل الأعضاء المعتقلين، نازعة قرطيها الذهبيين من أذنيها، تبرعا لفت أنظار أزلام البعث أليها، ووضعها تحت مراقبتهم التي أسفرت عن تعرّضها لإعتقالات؛ زادتها مبدئية.
تفانت بمهمتها، عملا لوجه الله ورحمة بالعوائل، التي رزح معظمها، تحت ضغط العوز بغياب أولياء الأسر، تطويهم دهاليز الأمن وتسحقهم آلات التعذيب العملاقة، التي صممتها شركات عالمية، خصيصا لمديرية الأمن العامة، في العراق.. إبان حكم الطاغية المقبور صدام حسين، وحزبه.. البعث الجائر.
شتاء قارس
بدأت سلسلة الإعتقالات، في ليلة شتائية، قارسة البرد، عام 1980، عذبوها بقسوة، هي وأختها، في الأمن العامة، لمدة ثلاثة أيام، وأطلقوا سراحهما، ليعتقلوا أخاها أحمد بعد 18 يوما، في أمن الثورة – صدام حينها، ولقي أقسى أنواع التعذيب، وافرج عنه بعد أن ثقبوا قدمه بـ (الدريل) ولم تمض 23 يوما حتى إعتقلوها مرة أخرى، واطلق سراحها، وبعد أيام، زج بالعائلة كلها في الأمن، وأطلق سراح العائلة، فجاء الإعتقال الأخير الذي سمت فيه روح صفية الى السماء نهاية أيلول 1981.

إذ سيقت هي ووالدها واخويها الى محكمة الثورة، بعد تعذيب ممض على يد المجرمين أياد الاعظمي وعلي الخاقاني وملازم أركان، وحكم عليهم.. ثلاثتهم.. بالاعدام!
فاضت روحها من زنازين أبي غريب.. شهيدة.. ترتقي سلم المشنقة، وتدلى أمامها الحبل، إذ طلب منها أن تأكل، فقالت.. فرحة.. مستبشرة: “لا حاجة لي بطعام الدنيا.. أريد أن اتزود من طعام الآخرة”.
أعدمت الشهيدة صفية لفتة جاسم، وووري جسدها الثرى، بينما روحها، ترتقي الى جنة النعيم، تصلي عليها الملائكة وتحف بها الحوريات.. سلاما الى الأبد.