{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
(الجبحة – أي السقوط إنكفاءً على الوجه) إسم أطلقه أبو كاطع.. الكاتب الصحفي الراحل شمران الياسري، على (فخ) الجبهة (اللا) وطنية، التي إستدرج البعثيون، من خلالها الحزب الشيوعي العراقي الى كشف خلاياه، وأسماء أعضائه؛ نهاية السبعينيات؛ من دون ان يستفيد من درس إنقلاب البعث الاسود، في العام 1963؛ التي شفعوها بمجازر فظيعة، ناكثين عهدهم، الذي عادوا الى نكثه العام 1978، يغررون بالشيوعيين مرة ثانية.
إرتكب البعثيون جرائم قمع وقتل وتشريد وتهجير وتجويع وقبور جماعية من أجل البقاء في السلطة، متنكرين لبنود (الجبحة) ضد المنتظمين معهم فيها، ومن ضمن من طالهم بطش البعثية، الشهيدة جميلة كريم، التي ولدت في الديوانية العام 1958، متمة دراستها الابتدائية والثانوية فيها؛ لتقبل في جامعة بغداد.
شرع المحبة
تميّزت بحنانها، فالمحبة أسلوبها في الحياة؛ تعنى بتطمين قلق المحيطين بها، مؤمنة مؤمنة بحرية الفرد والمجتمع، مطبقة شعار: “وطن حر وشعب سعيد” بدءاً بنفسها، إنتشارا بين الآخرين.
منتمية الى الحزب الشيوعي؛ لتشتغل على فضح مناهج البعث الجائرة، في إدارة الدولة، وزج الشعب في السجون.
“يوم نقول لجهنم هل إمتلأتِ؟ وتقول: – هل من مزيد”.
إبرة سامة
اعتقلت جميلة من قبل عناصر مديرية الامن العامة، بأمر بعثي.. لاقت خلال الإعتقال تعذيبا يهد الجبال، حسب وصف من زاملنها في المعتقل.. لكنها لم تخضع لهم ولم تستسلم لجبروتهم، إنكسروا ولم يثنوها عن عزمها المؤمن بأن الخلاص آت.
سطرت ذكريات، على جدران الزنزانة قرات في ما بعد، مستدلا منها على ان أيام السجن لم تطوها؛ إنما هي التي شهقت بهجة تناقض وضعها (كونتراس).
بإنتظار الخلود
أرعبت الزنزانة ولم ترتعب.. هازة ثقة الجلادين بسياطهم، ولم تهتز، زهدت بالموت، فتلاشت أرجحية الحياة، من حولها، منتظرة الخلود.
الأيام تترى.. كرا وفرا، نهار يوقظ ليلا وليل يغمض عيني نها، ولم يرعبها تهديد المجرمين، الذين غطوا عجزهم خائبين، عن إنتزاع إعترافات أو معلومات يستغلونها في الإجهاز على الحزب الشيوعي؛ حقنوها إبرة سامة، واطلقوا سراحها؛ مستشهدة بعد أيام قليلة، وهي لم تزل طالبة في الجامعة.
(الجبحة)Top of Form
Bottom of Form
إنها سقطة بالفعل، فقد إنهارت ثقة القواعد الشيوعية بقيادتها، وخسرت ملاكات الحزب حياتها.. موتا وهروبا الى خارج العراق وتشردا إجتماعيا طوى الذين لم تتح لهم حلولا فردية؛ فالقضية باتت كالسفينة الغارقة.. وعزيز محمد.. رئيس اللجنة المركزية العليا للحزب، الذي وقع الوثيقة نظيرا لأحمد حسن البكر، بات كالقبطان الذي أعطى إحداثيات بحرية خاطئة، إرتطمت على أثرها السفينة بجبل حطمها، فلم يسعه الا ان يصيح: “لينجو من يستطيع النجاة”.
قاد اللعبة صدام حسين، نائبا للبكر، وسقط ضحتها القوام الفكري لبناء سلطة متوازنة، في العراق، إذ لم يبقَ بعد الشيوعيين، سوى رفاقه البعثيين، صفاهم واحدا واحدا وإنفرد بطغيانه عامها، في فلاة لا متناهية، من فراغ السلطة.