23 ديسمبر، 2024 5:59 ص

الشهيدة الصيدلانية عالية الحمداني

الشهيدة الصيدلانية عالية الحمداني

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إنشاء الله}
لحظة تخرجت الشهيدة الصيدلانية عالية حسين الحمداني، في الجامعة، تبوأ الطاغية المقبور صدام حسين، رئاسة الدولة العراقية المقهورة، وحزب البعث المتجبر، فهي البنت البكر، ولدت في عائلة كظماوية، صورةالعام 1954.
سمراء.. تمتاز بروح جذابة (الاورا) وذكاء متدفق الفطنة، منحها قصب السبق، في التفوق بدراستها الابتدائية والمتوسطة والاعدادية؛ لتقبل في كلية الصيدلة وتنال شهادة البكالوريس بامتياز.

الصدر الاول
أخذت حياة الشهيدة منعطفا جديدا بعد تخرجها في الكلية، فقد تزامن مع وصول الطاغية صدام الى السلطة العام 1979.
في هذه المرحلة الحرجة والغارقة بدماء الاحرار.. واعظمها اعدام الإمام محمد باقر الصدر واخته بنت الهدى، في العام 1980.. حدث جلل اثار حفيظة كل حر أّبيّ ومنهم عالية التي ارادت ان تعبر عن رفضها لنظام القمع البعثي؛ فجعلت من مهنتها سبيلاً لمساعدة مجاهدي الدعوة وعوائلهم واصبحت صيدليتها ملتقى لهم وتبرعت دعما لحركة الاحرار بمبلغ 1000دينار وهو مبلغ كبير في الثمانينيات.
 
حمامة سلام
واصلت عالية عطاءها الى ان إعتقلت العام 1981، من مكان عملها في مستشفى (النور) في (الشعلة) عندما طوق ازلام البعث المستشفى والقوا القبض على حمامة السلام.
سجنت في مديرية امن (الثورة) راسمة اروع صور الصبر والثبات على العقيدة؛ فطيلة بقائها رهن الإعتقال، في امن الثورة، المعروفة بقسوة التعذيب فيها، لم تتزعزع عن مبدأها ولم تذعن لاذلالهم.
تعمد الجلادون إيذاءها وكسر كرامتها عندما يأمرونها ان تحمل النفايات و تمسح ارض غرفة التعذيب بعد انتهاء عملهم بها ودماء المعتقلين تتناثر على ارضها وجدرانها.
عاشتها بثبات.. راضية قانعة، ولطالما تطوعت بدلا من معتقلات أخريات لأداء هذا العمل بدلا عنهن؛ وذلك لقوة شخصيتها وممارستها لمهنتها الطبية فهي تتحمل رؤية الدماء وتصبر على ذلك اكثر من المعتقلات الباقيات، من دون ان تفارق الابتسامة محياها الصبوح.. إبتسامة حانية، ترتسم على وجهها، وهي تخفف من آلام المعتقلين والمعتقلات بخبرتها الطبية وحنانها البالغ.. اماً لكل المعتقلات.. بل حملت هموم عائلتها وهي في المعتقل، فقد علمت ان اختيها ميسون وآمال، أعتقلتا في الامن العامة، داعية لهما بالصبر والثبات، مرددة: “أنا واثقة انهما لن تذعنا لاساليب التعذيب فهما تربيتي.. زرعت فيهما القوة والصلابة والمبدئية”.
 
الحسنيان
تعاهدت عالية مع تنظيمها الاسلامي، على الصبر؛ الى ان تنال احدى الحسنين.. النصر او الشهادة؛ فاستجاب ربها الدعاء، ونالت الشهادة، صبيحة ضحى يوم حزيراني من العام 1982.
جرى المشهد، بدءا من فتح باب المعتقل؛ ليطل الجلاد ابو جواد، حاملاً ورقة فيها قائمة من اسماء المعتقلات، يرافقه الحراس الموكلين بتنفيذ أحكام الموت!
تلى اسماءهن واحدة واحدة.. وكل معتقلة يشد وثاقها الى ظهرها، تعصب عيناها وتساق الى عربة الموت.. السيارة التي نقلتهن الى مقبرة جماعية، ولما ناداها بإسمها انتفضت كاللبوة وسارت امنة مطمئنة الى خيارها الثاني.. الشهادة.
 
موت جماعي
لم يسلمّ جثمانها الطاهر الى ذويها، ولم يعلموا بإستشهادها الا بعد سقوط الطاغية؛ عندما وجدوا في قوائم الشهداء المعلقة على جدران الشعبة الخامسة، إسمها وإسم أخيها.. حليم الحمداني.. طالب في المرحلة الخامسة من كلية الطب / جامعة بغداد.
شملت قوائم الشهداء المعقلة على جدران الشعبة، عددا كبيرا من أقاربها، وما زالت والدتهما تترقب عودتهما.. هي وأخيها، بعد أن استشهدا منذ عشرين عاما وغيرت جسديهما المقابر الجماعية.