لسنا على الاعقاب تدمى كلومنا.. ولكن على اقدامنا تقطر الدمى، بيت شعر عربي، اكدته البطلة الفيلية ليلى قاسم، التي مرت علينا ذكرى استشهادها، قبل ايام؛ فنقارن تصديها البطولي، وهي انثى لا حول ولا قوة لها الا بالثبات على الموقف المبدئي، نظير ادعاء الطاغية المقبور صدام حسين، للرجولة، ما دام في عنفوان وحشية قوته الباغية، التي ما ان تجرد منها، حتى لاذ بـ (زاغور) الجرذان، طريدا منبوذا لم يجد له مأوى حتى في مسقط رأسه تكريت؛ ما ابقاه على حافات فيافيها، لم يدخلها، في حين انتصب ذكر ليلى في جوهر بطولات التاريخ شهيدة خالدة، بما احرزت من ريادة.. الاولى في قافلة الشهيدات اللواتي سطرن اسماءهن على صفحة التاريخ، بضعفهن الذي ارعب الاقوياء.
وهذا شأن الانسان الفيلي.. الجندر.. سواء أكان انثى ام ذكر، انه مخلص لدينه وقوميته وانسانيته واشتمالات وجوده الاجتماعي في محيط يحرص على ان يظل نبيل التعاطي معه، بعلو جناب يسمو فوق اضطهاد الحكومات المتعاقبة له.
فالعراقيون عموما، والكرد خصوصا، والفيليون بخصوصية اشد ايغالا في العذاب، تعاظموا عن بكائيات الجروح.. لم يستدبروا مولين قفاهم للتحديات، انما جابهوا اعتى ديكتاتور في العصر الحديث، لم يدخر وسعا في انتهاج افظع الوسائل، تنكيلا بمن لا يستخذي امامه.. وحاشى للكرد استخذاءً…
ليلى قاسم حسن، الملقبة بـ (عروس كردستان) تولد خانقين 27 كانون الاول 1952 لأب عامل بسيط في مصفاة خانقين، اقام في بغداد بعد التقاعد، حيث تدرس ابنته الشهيدة علم الاجتماع بكلية الآداب وتعمل في الصحافة، انتمت هي واخوها سام و خطيبها جواد الهماوندي الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني؛ فالقي القبض عليها، مع خطيبها ورفاقها نريمان فؤاد مستي وآزاد سليمان وحمة ره ش وآخرين في 29 نيسان 1974.
وفي الزّيارة الأولى لوالدتها وشقيقتها لها، في السجن، أوصتهما أن تحضرا خلال الزّيارة المقبلة، مقصاً وملابسَ جديدةً؛ ففعلتا.
قصّت خصلاتٍ من شعرها، وأهدتها إلى شقيقتها لتبقى ذكرى تشهد على تحدّيها الطغاة، وأجابت أختها التي سألتها عن سبب طلبها إحضار ثوب جديد: بعد أيّام اصبح (عروسَ كردستان) لذا أحبّ أن تحتضنني الأرضُ وأنا بكامل أناقتي.
اجريت لها وخطيبها ورفاقهما محاكمة صورية، انتهت بالاعدام، في 12 أيار 1974 ، شنقاً حتى الموت، في مكان الاعتقال نفسه، خلال إسبوعين من تاريخ سجنهم بعد تمثيل نهى عنه الرسول؛ اذ فقأوا عينها اليمنى و شوّهوا جسدها بفظاظة، اثناء تعذيب يليق بالبعثيين.
في اليوم الثاني من تنفيذ الإعدام سلم جثمانها الطاهر إلى أهلها وهي في زيّها الكردي الجديد، ودفنت في وادي السلام، بالنجف الاشرف، قريبة من الله.. بعيدة عن مرافئ طفولتها.
أعظم ما تحقق للانسانية، هو الموت في سبيل الآخرين، والاعظم منه الحياة في سبيل الانسانية، وليلى حية، تنبض مشاعرها، في رفة قلب كل عذراء كردية، تحاط بموكب زفافها.. تعيش انوثتها بكرامة في عراق تعمدت جباله وسهوله وصحاريه بدم ليلى قاسم.. عروس كردستان.. الشهيدة الاولى في تاريخ العراق الحديث.