لم يعرف العراق الشهادات المزورة حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي.. لكن الأوضاع الشاذة التي مرت به انعكست سلباً على مجمل الحياة ومن ضمنها قطاع التعليم.. ومنذ العام 1992 أفتتح في بغداد عشرات مكاتب طبع الرسائل الجامعية.. بعضها أخذ يقوم بتقديم شهادات الماجستير والدكتوراه حسب الطلب.. لكل من هب ودب مقابل مبلغ معين.. وتسلم له شهادته المزورة خلال 24 ساعة.. ولا يستطيع أحد اكتشاف إنها مضروبة !! ..
وفي العام 1995 اتصلً بيً هاتفياً أستاذ جامعي معروف.. وأبلغني بأن طالباً يروم تسجيل رسالته للماجستير عن (التطورات السياسية الداخلية في العراق 1963 ـ 1968).. ورجاني الإشراف على رسالته.. وفي لقائي الأول مع الطالب سلمتهُ قائمة بستة مصادر تخص موضوعه.. وطلبتُ منه قراءتها وتسجيل ملاحظاته لغرض مناقشتها معه.. لكنه جاءني بعد أيام خال الوفاض.. فاعتذرتُ عن الإشراف على رسالته صمتً قليلاً.. وأخرجً من حقيبته دفتر صكوك.. وقال لي: (أستاذ آني ما أفتهم بالدراسة والكتابة.. آني مزارع والخير كثير.. أنتً عليكً كتابة الرسالة.. واني عليً أن أسجل المبلغ الذي يعجبكً وأكثر).. لم أتماك نفسي وطردتهُ شر طرده ..
وفي العام 1999 كنتُ أستاذاً جامعياً في ليبيا أرسل ليً هذا الأستاذ الجامعي شهادة ابنه (ماجستير علوم حاسبات).. ورجاني أن أحصل له على عقد.. وفعلاً حصلتُ له على عقد.. واكتشفنا فيما بعد إن شهادة الولد مزورة بعلم أبيه ومساعدته ..
صحيح إن بعض ضعاف النفوس من أساتذة الجامعات.. بشكل خاص.. قد باع شرفه العلمي والمعرفي.. لكن أن تجد من يتباهى بهذا العمل الإجرامي !! فقد التقيتُ واحداً من هذه النماذج في تموز العام 2001 في منطقة طريبيل الحدودية خلال عودتي إلى بغداد من ليبيا لقضاء إجازتي الصيفية في بغداد.. وأخذ هذا الأستاذ يتحدث عن بطولاته (العلمية).. مؤكداً انه كتبً ستة أطروحات دكتوراه في العلوم السياسية لمسؤولين كبار آنذاك.. ولتأكيد كلامه اتصلً هاتفياً بأحدهم.. وأخذ يتحدث معه بما يشير انه يكتب أطروحته !!
شهادات ما بعد 2003 :
الكارثة كانت بعد العام 2003 .. وأصبحت الشهادات المزورة ظاهرة خطيرة في المجتمع .. فقد كشفت هيئة النزاهة عن 300 شهادة مزورة لمرشحين في انتخابات مجالس المحافظات العام 2009 وحوالي 500 شهادة مزورة لمرشحين لانتخابات المجلس النيابي العام 2010.. ومثلها للانتخابات النيابية العام 2014.. كما إن هيئة النزاهة كشفت عن أكثر من عشرة آلاف شهادة مزورة صادرة عن الجامعات والكليات العراقية.. وسبق أن كشف مفتش عام وزارة التربية (20) ألف شهادة مزورة في وزارته.. وذكرً إن شهادة زوجة مدير عام الرقابة والتدقيق في الوزارة.. (وهو المسؤول عن تدقيق شهادات الموظفين).. وهي معلمة في الوزارة كانت مزورة.. فحاميها حراميها !! فيما كشف وزير التربية الحالي محمد إقبال عن
(٣١٢٤) شهادة مزورة خلال العام 2015 فقط.. كما ان مدير عام في إحدى الوزارات.. وزوجنه رئيسة قسم.. وأبنته الطالبة في الكلية.. ثلاثتهم شهاداتهم مزورة ..
وكشفت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العام 2010 عدد الوثائق المزورة من قبل الطلبة بلغ سبعة آلاف وثيقة.. أما عدد الوثائق التي تم تزويرها من قبل الموظفين فقد فاق ألفين و500 وثيقة ..
ويقال إن عشرات من أعضاء مجلس النواب حصلوا على شهادات (الماجستير والدكتوراه) استثناءاً من شروط القبول (على طريقة النظام السابق).. وأكثرهم كتبت لهم.. وأخريين وأخريات منهم سلموهم أسئلة الاختبار قبل أسبوع بشكل شخصي.. وآخرون حصلوا على شهادات الدكتوراه من دول لم يزوروها.. ولا يجيدون أية لغة.. (يا لمهازل شهادات مسؤولي الأمس.. واليوم) ..
في آذار العام 2011 كشفت لجنة النزاهة في البرلمان العراقي عن وجود 20 ألف شهادة دراسية مزورة لموظفين يعملون في مؤسسات الحكومة.. ليعود بعدها وزير العدل.. ويصرح أن هناك خمسين ألف شهادة مزورة لموظفين عراقيين.. 4 آلاف منهم يعملون في وزارة العدل.. (خوش عدل).. ويقدر عدد الموظفين حالياً من أصحاب الشهادات المزورة ب (86) ألف ..
وكشف إبراهيم الجعفري وزير الخارجية الحالي منتصف العام 2015 عن وجود 170 شهادة مزورة لكبار الموظفين الدبلوماسيين.. بعضهم سفراء.. لكن القضية سوفت.. ولم يتخذ أي إجراء حتى الآن ..
والأنكى من ذلك إن شهادات عليا (ماجستير ودكتوراه) أصلية (أي صحيحة).. لكنها جاءت عن طريق التزوير.. فالعديد من المكاتب المنتشرة في بغداد تقدم لمن يطلب أطروحة ماجستير أو دكتوراه بأي اختصاص كان.. مقابل خمسة أو عشرة ملايين دينار.. ليصبح هؤلاء المزورين أساتذة في الجامعات.. يتخرج من بين أيديهم أجيال من الأميين والمزورين !!
والحديث يطول : المصيبة إن الحكومة السابقة لم تفعل القانون (باعتبار التزوير جريمة مخلة بالشرف) بل دعت إلى التريث في محاسبة.. وعدم معاقبة حملة الشهادات المزورة من الموظفين وغيرهم .. بل أصدرت قراراً العام 2010 بإعفاء أصحاب الشهادات المزورة وإلغاء مسائلتهم قانونياً.. وعدم استرجاع ما أخذوه من أموال طيلة ممارستهم لوظائفهم.. نتيجة تعينهم بشهادات مزورة .. وما زال هذا القرار ساري المفعول حتى اللحظة ..
فهل سيصدر رئيس الوزراء حيدر ألعبادي قراراً بطرد كل من يحمل شهادة مزورة من الوظيفة.. وإحالته الى القضاء ؟؟ وإعادة الأموال التي سرقوها من الدولة.. وبغير ذلك لا إصلاح ولا هم يحزنون ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ..