23 ديسمبر، 2024 7:30 م

الشهادات العليا .. من الرصانة الاكاديمية الى ظاهرة التزوير تطلعا للوجاهة الاجتماعية

الشهادات العليا .. من الرصانة الاكاديمية الى ظاهرة التزوير تطلعا للوجاهة الاجتماعية

يلاحظ تزايد  الاقبال على الشهادات العليا لدى أفراد المجتمع بشكل ملفت للنظر في هذه الايام،حتى ان الكثير من الجامعات المفتوحة، والناشئة منها  بشكل خاص،قد شرعت بالتهافت في الاعلان عن تقديم برامج دراسات عليا للحصول على الشهادات العليا بأسلوب الدراسة عن بعد،او بأسلوب منح الشهادة بمعادلة الخبرة لقاء مبالغ محددة، لمواجهة زيادة الطلب على الشهادات العليا ، دون التفات الى جاهزية تلك الجامعات لتنفيذ مثل هذه البرامج بطرائقية اكاديمية رصينة،حرصا على المستوى العلمي، وحفاظا على سمعة الجامعة،وذلك بقصد الكسب المادي،وجذب اكبر عدد ممكن من طلاب الحصول على الشهادة.
لقد كان الهدف من الالتحاق ببرامج الدراسات العليا في الامس القريب، يستهدف تعميق المعرفة، وتطوير الخبرات،وتعميق التخصص بقصد رفع  كفاءة أداء طلاب الدراسات العليا  في الحياة العملية.
فقد كان طالب الدراسات العليا يواصل تعليمه العالي تحت إشراف وتوجيه الاستاذ المشرف،الذي يتم اختياره لهذه المهمة بمقاييس علمية صارمة،بالإضافة الى نخبة اعضاء هيئة التدريس المرموقين، حيث كان  على طالب الدراسات العليا أن يدرك أنه يواصل تعليمه العالي في مرحلة مختلفة تماماً عن مرحلة البكالوريوس الاولية،ومن ثم فان الامر يتطلب منه الاعتماد على نفسه، بدلا من الاعتماد على المحاضر في تقديم المعلومات الجاهزة له،باعتبار ان مرحلة الدراسات العليا تعتمد بدرجة كبيرة على البحث الشخصي،والتقصي الذاتي بالدرجة الأولى ، كما يتطلب أن تكون نوعية الرسائل التي يعمل على إنجازها لاستكمال متطلبات الحصول على الشهادة العليا متميزة من حيث جدة محتوى الموضوعات، وتتسم بالأصالة، وتتجاوز حالة تكرارا ما تم بحثه، ليبدأ من حيث انتهى الاخرون ، بحيث تكون لها قيمة علمية، بإضافة جديد للمعرفة، او تعميقها.  
واذا كان الإقبال الكبير على الدراسات العليا يمكن تبريره بأنه نتيجة لزيادة السكان،ويأتي بالتساوق مع متطلبات العصرية،وبالتالي فانه يمثل حالة ايجابية في المجتمع لها دلالتها،فان الامر يكون عكس ذلك عندما يكون الهدف من الالتحاق بالدراسات العليا هو لمجرد الحصول على الشهادة لغرض المباهاة، والوجاهة بالدرجة الأولى وحسب، وليس بهدف التعلم، بحيث بات الكثير من الراغبين بالحصول على الشهادة العليا لا يتورع في تزوير الشهادة بأي طريقة، حتى بتنا نجد ان الشخص الذي ليس لديه اليوم إلا البكالوريوس،معه ماجستير، او دكتوراه في اليوم التالي، بقدرة قادر، وربما في تخصص من التخصصات يصعب على خريج المرحلة الجامعية،أن يحصل عليه.وفي العراق استفحلت ظاهرة من يحملون الشهادة المزورة بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003،فقد اشار موقع(وكالة أنباء الاعلام العراقي)بتاريخ 742013 الى ان( وزارة  التعليم العالي والبحث العلمي كشفت عن اكثر من ( 13) ألف وثيقة تخرج وشهادة مزورة،بدءا من الإعدادية، وصولا إلى شهادة الدكتوراه)، وان(هناك اعدادا كبيرة من موظفي الدولة يحملون شهادات مزورة).
 وللقاريء الكريم أن يتخيل ما سيكون عليه حال الوضع العام للأداء في الحياة العامة للمجتمع عند ادارة انشطة بخبراء وهميين مزورين، حصلوا على شهاداتهم من مصادر غير معروفة، او ربما ليس لها وجود على ارض الواقع اصلا،في حين  يحتاج العمل فيها إلى خبراء متخصصين حقيقيين.  
ولذلك يتطلب الامر الانتباه الى هذه الظاهرة بجدية، ورفع درجة الوعي العام الشعبي باحتقار مثل هذه الممارسات، وملاحقة غلق دكاكين ترويج الحصول على مثل هذه الشهادات المزورة حيثما وجدت،بعد ان احترفت بيع هذه الشهادات الوهمية،والعمل على تحويل من يثبت تزويره للشهادة الى القضاء،لاتخاذ الاجراءات اللازمة بحقه،حرصا على الامانة العلمية، واحتراما لقدسية الشهادة العليا، التي ينبغي تحصينها من كل اساليب المس والمتاجرة،حتى وان كان دافع الحصول عليها هو مجر الوجاهة الاجتماعية.