لم تجف دماء ضحايا “سوق عريبة” بمدينة الصدر هذه المرة , ولن تجف. صحيح هي لاتختلف في النهاية عن كل الدماء التي سالت طوال سنوات الفشل والصراع الأمني السابقة أو يمكن أن تسيل, لكني أرى أن لدماء هذه السوق, هذه المرة, خصوصية. فالتفجيرات جاءت على خلفية أزمة سياسية لا معنى ولا داع لها بدء من مصيبة حكومة التكنوقراط الى مهزلة قناني المياه البرلمانية والطرق على الطاولات وإنتهاء بكارثة “القنفة” البيضاء. كما إنها تأتي في مفارقة لافتة للنظر وللعيان ولكل ذي بصر وبصيرة وهي تحقيق إنتصارات لافتة على داعش في قواطع عمليات الأنبار, بالإضافة الى حصول تقدم لافت في الموصل. أي أن وضعنا الأمني جيد بالرغم من هشاشة وضعنا السياسي. وإنسجاما مع ذلك فإننا لسنا بحاجة “الى حافز” إضافي لقتال داعش مثلما نقل عن أحد المسؤولين. فالحوافز ما اكثرها ماشاء الله. ولكن المشكلة ليست في الحوافز بقدر ماهي بالإحساس بالمسؤولية قبل الشعور بها. وبصرف النظر عن السبب المباشر لما حصل في “سوق عريبة” بمدينة الصدر وما يماثله من عمليات إرهابية سواء في نفس اليوم في بغداد او ما قبلها وما بعدها فإنه لم يعد يكفي القول إنها نتاج الصراع السياسي في بغداد أو ديالى أو الأنبار أو “عفج”.هذه أمور بات يعرفها السيد بان كي مون أكثر مما يعرفها أي مسؤول عندنا صغر هذا المسؤول أم كبر. كما يعرفها قادة الإتحاد الأوربي وزعماء حلف الناتو والسيد ديفيد بترايوس. كل هؤلاء ومن جملتهم أمين عام الجامعة العربية احمد أبوالغيط كانت بياناتهم الإستنكارية تفوق بلاغة وحرصأ ومسؤولية كل بيانات “ربعنا” المسؤولين الذين إن أضاف أحدهم لمسة جديدة على ما بات في نظر المواطنين كلاما معيبا مشروخا مستهلكا فاقعا لايسر الناظرين ولا “العميان” فإنه يتحدث إما عن حافز جديد لقتال داعش قوامه تمزيق أجساد أكثر من 250 مواطن عراقي إبن عراقي إبن عراقي الى تسعين ظهر وبجنسية واحدة ابتلوا بها وهي الجنسية العراقية بالتبعية العثمانية وهو ما يعادل بالعرف السائد “نخلة وخط وفسفورة”. أو أن تمزيق أجساد كل هؤلاء الفقراء والمساكين يكفي, هذه المرة, في أن يشعر المسؤولون بلا سادة ولا مخططين ولا فخامة ولادولة ولا معالي ولاسعادة ولاجناب بأهمية “تضافر الجهود” من أجل وحدة الصف والعودة الى طاولة الحوار.أيعقل هذا الكلام بعد كل الذي جرى ويجري وسيجري والـ”سوف” الأخيرة تشبه سوف الوعود بدء من سوف نقضي على الإرهاب وسوف نضبط الأمن وسوف نحاسب المقصرين وسوف نكافح الفساد وسوف, وسوف حتى ينتفض سيبويه من قبره لافظا حرف السين من لغة الضاد مكتفيا بسبعة وعشرين حرفأ. آخر المصائب تكمن في إعتياد المسؤولين عند كل تفجير خصوصا من النوع “اليسوى” يعني ضحيته بالمئات الى ممارسة هويتهم المفضلة وهي تبادل الإتهامات عبر الفضائيات. قوام ذلك تقديم لائحة بالشكاوى من أبناء العم وذوي القربي أمام المذيعات المتبرجات ذوات الأصوات الناعمة التي تجعل السيد المسؤول “يكت” كل ما عنده من معلومات وحقائق حتى لو كانت أسرار دولة. فالشكوى لغير الفضائيات مذلة.