لو سئلت أغلب الناس في العراق، وبمختلف شرائحهم عن رأيهم بفرض القانون وتطبيقه بعدالة على الجميع من دون أستثناء؛ فأنا على يقين بأن الجميع سيكون من المؤيدين والداعمين لهذا الأمر. أقول ذلك وأنا أنظر بألم لعملية تطبيق القانون وإزالة التجاوزات، والتي بدأت قبل مدة من الزمن، والتي يفترض أن تشمل الغني قبل الفقير والضعيف قبل القوي، وبعض الأحزاب السياسية التي تسيطر على أملاك الدولة وتتجاوز عليها، قبل الإنسان العراقي البسيط الذي يجلس في خربة لإجل ستر نفسه وأهله، بدل الجلوس في العراء.
أقول ذلك ليس لإني ضد تطبيق القانون وإزالة التجاوزات على أملاك الدولة، والتي أصبحت بعد عام 2003 نهبا للأسف الشديد لكل من هب ودب من مافيات الفساد ومن يقف خلفهم من بعض الفاسدين المتحزبين. ولكن كنت أتمنى أن يتم معالجة هذه التجاوزات بطريقة تكون الرحمة فيها فوق القانون، وأقصد الرحمة ليس مع مافيات الفساد والتجار الكبار الذين تجاوزوا على أراض الدولة وأملاكها لدرجة أبتلاع حتى أرصفة الشوارع. ولكن أقصد هنا الفقراء والمساكين ممن لم يميز ( الشفل الأصفر ) بينهم وبين من تم ذكره سابقا. فهل يجوز أن يدفع الفقراء الثمن مرتين _ بل اكثر من ذلك _ مرة بسبب الكوارث
والمصائب التي جرت على العراق منذ تولي عفالقة البعث الحكم وخاصة في عهد طاغية العراق المقبور، نتيجة حروبه العبثية مع دول الجوار، وما تبعها من حصار أستمر مايقرب من عقد ونصف من السنين، ومرة أخرى بسبب الظلم والفساد المستشري بسبب الإحتلال الأمريكي البغيض وتبعاته الكارثية على الوضع في العراق، وخاصة بعض الأحزاب السياسية الفاسدة التي دمرت وأهلكت البلاد والعباد، وأدخلت العراق في نفق مظلم ما زلنا نعاني منه حتى اللحظة؛ بسبب الفساد المالي والإداري والإرهاب وسوء التخطيط وغير ذلك من الأمور التي حاقت بالعراق وأهله طيلة الفترة الماضية.
إن من العدل أن تكون الرحمة فوق القانون… فعندما تُهدم دور الفقراء المبنية من البلوك في مناطق شبه معدومة الخدمات، أليس ذلك كفيل بجعلهم وعوائلهم من المشردين، بل وقد يجعل ذلك هذا الفقير المسكين يمتليء بالحقد على الدنيا بأسرها، وقد يتخذ من الشر طريقا له. أوليس من الواجب إيجاد حل لهذه المشكلة بدل تعقيدها وجعلها مشكلة مجتمعية خطيرة، نحن في غننا عنها. وهي بالتأكيد قد تؤذي الدولة والمجتمع بطريقة ما، وخاصة نحن لدينا من المشاكل والظروف المعقدة سياسيا وإقتصاديا وإجتماعية ما يكفينا. أوليس هدم أكشاك الفقراء سيزيد من البطالة… نعم هناك من المتجاوزين على أراض الدولة وأرصفة الشوارع من أصحاب المحلات التجارية الضخمة، والكافتريات والمطاعم والمقاهي وما شابه ذلك…
والذين يمكن معالجة الأمور معهم قانونيا، ولكن الحديث هنا عن فقراء يشكل البيت البسيط لهم، والذي تم بناءه على ممتلكات وأراض الدولة حلم لجعلهم يستقرون ويحققون أبسط حقوقهم التي كفلها الدستور، وأهملها الحكام والقادة السياسيون طيلة عقود من الزمن. ويمثل ذلك ( الكشك ) البسيط الذي تم هدمه، مصدر رزق لهم ولعوائلهم؛ وقد يكون هو المصدر الوحيد لدخلهم الذي بالكاد يكفي لسد الرمق من مأكل وملبس ودواء وثمن إشتراك في المولدات الحكومية والأهلية للحصول على الطاقة الكهربائية. إن في تجارب الدول التي عانت من مشاكل شبيهة بما جرى ويجري في العراق، نتيجة الحروب والحصار والفقر وغير ذلك من الأمور التي قد تؤدي إلى الضعف في تطبيق القانون، أقول أن في هذه التجارب ما يمكن أن يكون على أقل تقدير، الحل الجيد وليس الأفضل أو الأمثل لحل هذه المشاكل. ولنا في التجربة المصرية حول المتجاوزين على أراض الدولة مثال جيد يمكن الاستعانة به لمعالجة هذه المشكلة.
” وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك! وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم “. من وصية أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب لمالك الأشتر حين ولاه مصر. من كتاب نهج البلاغة.