18 ديسمبر، 2024 8:22 م

الشعور بالانتماء

الشعور بالانتماء

بدي لاضرب على راسي بلاداي
منك يالعذبت روحي بلا داي
فإن جارت وإن عزت بلادي
كرام اهلي وإن شحوا عليه
يقول علماء الاجتماع ان لكل منا -وإن لم يشعر- حاجة للانتماء والولاء الى جهة معينة، وهذه الجهة تحددها ضوابط ومقاسات تختلف من شخص الى آخر، وقطعا الانسان السوي منا يضع لولائه وانتمائه ضوابط تدخل في بلورتها التزامات اجتماعية وأخلاقية ودينية فضلا عن البيئية والظرفية. وتدفعنا لهذا الولاء غرائز عدة، تنمو وتكبر معنا وتتشعب بازدياد متطلبات حياتنا، ففي أسرتنا ابتدأ أول ولاء، وفي مدرستنا الولاء الثاني، وحين دخلنا معترك الحياة العملية كان بانتظارنا ولاء ثالث. فمن كان منا عمله وظيفيا فرض الولاء وجوده بين الرأس والمرؤوس، وفي ميادين العمل الاخرى بين العامل ورب العمل، وفي كل ما تقدم يكون الولاء بحدود العمل وسياقاته، ليس أكثر فبانتهاء ساعات الدوام او ساعات العمل تذهب كل الأطراف الى اهتماماتها وحياتها الخاصة من دون تأثير شخص على آخر.
لكن هناك سقفا كبيرا يجمع الكل اينما كانوا، يتحتم الولاء المطلق له، ذاك هو سقف الوطن، وهو فرض على كل من يدعي الإنتماء له بدءًا من رئيسه الى ابسط مواطن فيه، ومامن شاعر إلا تغنى بالوطن وحبه والولاء له والاستشهاد من اجله، وكم سطر التاريخ لنا قصصا بذلك حتى من جار عليه وطنه، وعانى من العيش فيه كما قال شاعرنا:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وقومي وإن شحوا علي كرام
ومن المؤكد ان الولاء للوطن ليس ثقلا مفروضا على النزيه والـ (شريف) بل هو سمو يعلو على كل المشاعر والاعتبارات من حيث يدري ولايدري.
يروى ان نابليون عندما شن حربه على النمسا، كان هناك ضابط نمساوي يتسلل بين الفينة والأخرى الى نابليون بونابرت قائد الجيش الفرنسي، يفشي له اسرار وتحركات الجيش النمساوي، وبعد ان يأخذ نابليون مايفيده من أسرار عدوه، يرمي لهذا الضابط صرة نقود على الأرض ثمنا لبوحه بأسرار جيشه. ذات يوم وكعادته بعد ان سرّب الضابط لنابليون معلومات مهمة، همّ نابليون برمي صرة النقود له، فما كان من الضابط إلا ان قال: يا سيادة الجنرال، ليس المال وحده غايتي، فأنا أريد أن أحظى بمصافحة نابليون بونابرت. أجابه نابليون: أما النقود فأعطيك إياها كونك تنقل لي أسرار جيشك، وأما يدي فلا أصافح بها من يخون وطنه. من هذا الموقف تتكشف لنا خسة من لا يكنّ لبلده الولاء كل الولاء.
الذي ذكرني بنابليون هو ما يحدث في ساحة العراق على يد ساسة اتخذ بعضهم من العراق -وهم عراقيون- سوقا لتجارة وربح ومآرب أخرى نأوا بها عن المواطنة والولاء للوطن، مآرب لأجناب وأغراب ليسوا حديثي عهد باطماعهم في العراق، فهم أناس لا أظنهم يختلفون عن ذاك الضابط النمساوي الخائن، لاسيما بعد ان سلمهم العراقي الجمل بما حمل، وحكـَّمهم بامره متأملا بهم الفرج لسني الحرمان التي لحقت به. فحق عليهم بيت الشعر القائل:
إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة
فإنك قد أسندتها شر مسند