23 ديسمبر، 2024 1:54 ص

الشعوب العربية بين الخروج مِن حُفرة حُكامها والسقوط في هاوية مُعارضيهم

الشعوب العربية بين الخروج مِن حُفرة حُكامها والسقوط في هاوية مُعارضيهم

يبدو أن الشُعوب العَربية واقعة اليوم بين خَيارين لا ثالث لهُما ولا مَفَر مِنهُما أحلاهُما مُر، فأما البقاء في حُفرة سُلطات شمولية، خبَرت السُلطة، وبدأ بعضها بمُواكبة الزمن، وإعتماد سِلسِلة إصلاحات جاء بَعضُها مُتأخراً للأسف.أو السُقوط في الهاوية السَحيقة لدكاكين مُعارَضة تجارية الطابع، ربحية الأهداف، خارجية التمويل، تفتقر لرؤى وخِبرة سياسية واضِحة تمَكِّنها مِن قيادة السُلطة في حال توليها بعد سقوط الأنظمة الحالية في الدول العربية.

فالشعوب العربية واقعة مُنذ نُصف قرن تقريباً في حُفرة عَميقة لا أمل للخروج مِنها إلا بإصلاحات سياسية وإقتصادية وإجتماعية شاملة، نُفِّذ بعضها مِن قبل بعض الحكومات العَربية خلال السَنوات السابقة، وجاء بَعضُها الآخر مُتأخراً خلال الأشهر الماضية،بعد أن سَبَق السَيف العَدل بإندلاع حُمّى الثورات العربية التي تسَيّرها وتركب مَوجتها جهات تدّعي مُعارضتها للنظم السياسية القائمة في الدول العربية، وسَعيَها لتحقيق الديمقراطية لشعوبها. مِن جهة أخرى، فإن ماعاشه العراق خلال السَنوات الثمان الماضية، وماعاشته دول عَربية نجَحَت بإسقاط نظمِها السياسية خلال الأشهر الماضية، لايَدع مَجالاً للشك بأن مَن تسَمّي نفسَها قوى مُعارَضة ليسَت بأفضل حالاً وأقل فساداً وإنتهازية مِن الأنظمة التي تعارضها، والإرتماء بأحضانها يَعني السُقوط في هاوية سَحيقة لا قرار لها. كما تبين أن التغيير في الدول العربية لا يؤدي سِوى لإستبدال حِزب قائِد بعِدة أحزاب قائِدة، ودكتاتور بدَرزينة دكتاتوريين، وحَرامي بأربعين حَرامي، لا ندري مِن أين نأتي لهُم بكهرمانة لتخلصَنا مِنهم ومِن شرّهِم، وإذا كانت كهرمانة قد فشِلت بتخليص بلدها مِن الأربعين حَرامي الذين سَرقوه بليلة ظلماء بعد 2003، فكيف سَتنجَح بذلك في دُوَل عربية أخرى؟

طبعاً هذا الكلام لا يَنطبق على كل أشكال المُعارضة العَربية والعِراقية وأنواعها، ففي صُفوفها شَخصيات لها وَزنها ومَكانتها الإجتِماعية والفِكرية والسِياسية التي لايُمكن إنكارها، لكن للاسَف مِثل هذه الشخصيات لا شعبية لها وسط جُمُوع العَوام التي تشكل غالبية المُجتمعات العَربية، وتأثيرها عليها شُبه مَعدوم مُقارنة بتأثير أحزاب الإسلام السياسي التي أستولت على الشارع والسُلطة في العراق، وهي في طريقها للإستيلاء على الشارع العَربي وعلى السُلطة في بلدانه. فلو نظرنا لما أفرزته لنا المُعارضة العِراقية السابقة مِن سُلطة حالية، وقارناه مَع السُلطات الشمولية التي سَقطَت وقد تسقط بباقي الدول العَربية، لرأينا أنها أفرزت لنا سُلطة حِزب الدَعوة القائِد وزعامة حَجّي المالكي، التي لو قورَنت مَع سُلطة الحِزب الوطني وزعامة مُبارك أو سُلطة البَعث السوري وزعامة بَشّار أو سُلطة حِزب التجَمّع وزعامة بن علي لظلمناها جَميعاً، ولكانت الأفضلية بكل تأكيد لهذه الأحزاب وزعَمائها على حِساب الدَعوة وزعيمه فكراً وقيادة وكاريزما. بالتالي خرَجَ العراق مِن حُفرة سُلطة صدام وحِزبه ونِظامه الشُمولي العَميقة، ليَسقط في هاوية مُعارضيه الذين لايقلون سوءً عَن سابقِهم، والذين تمَخّض(نظالهم في سبيل حُرية العراقيين وكرامتهم!) بتوافقِهم على زعامة المالكي وحزب الدَعوة. وبإعتقادي لن تكون سُلطة المُعارضة في باقي الدول العربية بأفضل حالاً، وسَتكتشف شعوبها أنها خرَجَت مِن حُفرة مُبارك وبن علي وبشار لتسقط في هاوية مُعارضة سَتتوافق رُبّما بإرادتها أو رغم أنفها على سَلفي هنا وأخواني هناك، وستنهض في أحد الأيام لتجد نفسها وهي تسير بهَدي مُرشِد الجَماعة كما نهض العراقيون يوماً ليجدوا أنفسهم وهم يَسيرون بهَدي المَرجعية.

أتمنى على كل عاقل حَصيف، تأخذه العزة بالإثم في الإندفاع والتحيز الأعمى لما يُسمى بالثورات العربية، وفي الهجوم الهستيري المُبالغ فيه على السُلطات التي لا تزال تسود أو سادَت وبادَت بالأمس القريب في بعض الدول العربية أن يُحَكِّم ضَميرهُ،وأن يَقِف لحظة صِدق مَع نفسه ويَنظُر بحِيادية ومَوضوعية لِما كان ولِما سيأتي، ثم ليعطي رأيه وليَقل قوله الذي سَيُحاسِبه عليه التأريخ في يوم مِن الأيام.

*عنوان المقال مُقتبس مِن مَثل مَصري يقول: ” طِلِع مِن حُفرة و وَقع في دُحديرة”.
[email protected]