19 ديسمبر، 2024 12:45 ص

الشعوب الحيّة لا تستسلم

الشعوب الحيّة لا تستسلم

لا يأس مع الازمة الاقتصادية، إذا ما استيقن العراقيون انّ شعوبا خرجت من أقسى الشدائد الطاحنة الى إنجازات جديدة عّززت فيها حضورها وقوّتها، بعدما كانت على شفير خطر وجودي، فيما الأزمة المالية، سوف تضطر النخب الاقتصادية الى ابتكار الحلول، وتعزيز جدية المؤسسات الحكومية والوزارات في ترشيد الانفاق، وتزيد من بصيرة المواطن في استيعاب المشكلة باعتبارها وطنية، تحتاج الى تكافل الجميع.

النظرة الى تاريخ الازمات، يُفصح عن قدرة الشعوب على تكييف نفسها مع ظروف الضائقة، واختراع الحلول اللازمة، بدلا من الرضوخ للخيبة، وإتاحة فرص الانهيار.

هناك أزمة تتضخم في الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، تضطر أصحاب الحلول الى ابتكار المفتاح لمعالجة الشدائد التي يجب تُدار بشكل جيد، وهو ما يطلق عليه فن إدارة الازمات الذي يتصدى للتهديدات المحتملة وإيجاد أفضل الطرق لتجنبها.

غالبًا ما تكون الأزمة حدثا مفاجئا، أو نتيجة غير مرتقبة لأحداث نمطية، وفي كلتا الحالتين، تستلزم قرارات سريعة وحازمة، تستند الى أنظمة رصد معززة بإشارات الإنذار المبكر، يُعتمد عليها في تعزيز الحقائق، لا الشائعات التي تزيد من فتيل الهيجان الإعلامي الناجم عن تقارير غير دقيقة.

 

أمريكا في العام 1871، مرّت بأزمة اقتصادية خانقة، تشرّد خلالها الملايين من سكانها بسبب البطالة والجوع، واضطر الآلاف إلى الهجرة للخارج.

سنوات الكساد العظيم العام 1929، وهو إحدى أكبر وأخطر الأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم في العصر الحديث، واستمر لأكثر من 10 سنوات، تسبّب في آثار مدمرة على الدول الغنية والفقيرة على السواء، وأصبحت مرجعاً بالغ الأهمية لخبراء الاقتصاد.

هولندا وبلجيكا والنرويج العام 1973، اضطرتا إلى استخدام “الدواب” كوسيلة للتنقل بعد الحظر النفطي العربي لها، لمساندتها إسرائيل.

أزمة الكساد الكبير على ألمانيا العام 1933 تسبّبت في صعود النازيين الى سدة الحكم.

في 1997، اندلعت أزمة الأسواق المالية الآسيوية وامتدت الى كوريا الجنوبية واليابان إندونيسيا وتايلندو وماليزيا والفلبين ولاوس وهونغ كونغ، والصين وتايوان وسنغافورة وبروناي وفيتنام.

ووقفت روسيا على حافة هاوية اقتصادية عميقة العام 1998، عجزت فيها الحكومة عن سداد الديون الخارجية المتراكمة واتخمت الديون الخارجية وانهارت أسعار النفط والخامات، فيما بلغت الديون المستحقة للعمال الروس ما يقرب من 12.5 مليار دولار.

وأدى ظهور فايروس كورونا الى أزمة اقتصادية خطيرة بلغت مدياتها القصوى في “الإثنين الأسود” إثر انهيار بورصات العالم إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية 2008.

وقبل ذلك، مبكرا في التاريخ، عصفت أزمة الائتمان، العام 1772 ببريطانيا، وانتشرت في عموم أوروبا، على الرغم من انّ لندن تمكنت من خلق ثروة هائلة من خلال ممتلكاتها الاستعمارية وتجارتها.

الانهيارات المالية المتلاحقة عبر التاريخ، ولّدت تفكيرا وإصلاحا جديدين، وبدا واضحا ان التقوّض المصرفي العام 2008 في الولايات المتحدة، كان له علاقة وطيدة بالصراعات السياسية، وتدخّل واشنطن في الكثير من النزاعات في العالم، بحسب الانتقادات التي وُجّهت الى السياسة الامريكية.

العراق، الذي لم يدخل مرحلة أزمة اقتصادية خانقة، أمامه الفرصة السانحة للاستفادة من تجارب الازمات العالمية السابقة، عبر تدخل الدولة في نشاط السوق، وإيجاد توازن بين العرض والطلب في السوق، وتحقيق العدالة الاجتماعية في سلم رواتب جديد، يضمن الأمن الاقتصادي لكل فرد في المجتمع، وترشيد الانفاق الحكومي، وتنوير الفرد في الاستهلاك المفيد، وإنماء الصناعة المحلية، وتقليل الاستيراد.

 

أحد ممرات عبور الازمات الاقتصادية، هو الاقتداء بالتجربة الاوربية والأمريكية في تخفيف وطأة الازمة على الطبقات الفقيرة، في رعاية العاطلين، والشروع في الإصلاح الصناعي والزراعي، واخضاع القطاعات الإنتاجية المهمة الى تخطيط استراتيجي للتوسيع والتطوير، والتحول من دولة ريعية الى إنتاجية، يكون فيها الفرد المنتج، هو الرأسمال لا برميل النفط.