لكل جيل من الشعراء والقراء إرهاصاته النفسية والفكرية وتأثير المتغيرات فيه ولاشك أن الشاعر لديه إعتقادات وأن المتخصص والقارئ لديهما إعتقادات وهذه الإعتقادات بمثابة المران ضمن تأسيس الذائقة الجمالية ولاشك أن ليس بالضرورة أن يتوافق الشاعر فيما يكتب مع مايتمناه القارئ ولاشك أيضا أن الشاعر يتمنى أن يُقرأ بما يريد أي يتمنى أن يكون القارئ داخل كيانه لتكون مساحة الإيصال قريبة بينهما وبذلك يتم التأسيس على المقاربات مما تشكله الرؤية الشعرية لكن المهم من هذه المداولة بين الطرفين ومحاولة خلق التقريبية تلك : الإعتراف والإذعان للواحق المتغيرات التي تطرأ على اللغة والأسلوبية والمفاهيم والمعارف والوقائع وأثرها في حث المخيلة على الكتابة بشكل يؤمن وجودا ما لتلك المتغيرات ، أي أن الشاعر لابد أن يرتقي بلغته وموضوعاته وذهنيته تجاه رسومه المتخيلة ولغته المستحدثة وفاعلية نشاطه البنائي كون هناك إرتقاء أخر قد يأمهُ المتلقي من تلك المؤثرات لكن الغريب أن بعض الشعر:
لازال يكتب باللغة القديمة أي اللغة الحصرية التي كان الشعر يكتب بها مما بعد المعلقات إلى يومنا هذا،
وبقاء البعض من الشعراء متمسكين بالثوب الإيقاعي القديم
وبالشحنات البكائية كمدخل للرثاء والمديح..
فيأتي الشعر معبرا عن المغزى المقصود قبل قوله ويكفي الإستماع إلى شطرين منه ليدرك المتلقي ذلك المغزى الذي يدور حول تلك المقدمة مع العديد من الصور الهشة التي تساق سوقا لتجنيد الحاسة السمعية دون التأثير بكيانه الوجداني .. لاشك أن هذا النمط من الشعر يقع ضمن الشعر المُرتب الشعر الذي يعمل العقل فيه بطاقته الفطرية وتبطل فيه القدرات التحسسية بل وتعزل كليا المخيلة عن مهامها إلا القليل منها والذي يصبح عاجزا عن الإنتاج وحتى لو نظر لجمالية ما فيه هنا أوهناك فهي جمالية باهتة سرعان ماتزول ولايبقى لها أي تاثير تأصلي للإغراء أو اللذة . أن السطحية في الشعر:
تعبير عن فقدان الشعر لضرورياته
تعبير عن الحدود الضيقة التي بنيت على لاموهبة
وعلى لاتطوير في الأداة
ولا عبثَ إبداعي في الموجودات والوصول عند المعاني الجمالية ولعل هذا المفهوم لاينطبق على أولئك الشعراء الذين هم لازالو في مرحلة التأسيس رغم أن بعض الشعراء من الشباب قد تجاوز هذه المرحلة بقدراته الفنية الشعرية ولكن يعاب ضمن هذا المفهوم على البعض من الشعراء الذين أمضوا في كتابة الشعر سنيَ طوال ولازالوا يتنقلون بين المباشرة تارة والتقليدية تارة أخرى دون جهد لتحفيز قواهم الأخرى لمعاينة النتاجات الشعرية الأخرى خصوصا تلك التي تساير الحداثة وتنحو إلى الكشف والمغامرة .لاشك أن ضمن التطور الهائل الذي شهده ويشهده العالم ضمن ثورات العلم والإكتشاف والمجتمع وقضايا الكون لابد للشعر أن يواكب تلك التطورات أي أن يكون قدوة لها في إختيار ثورته المناسبة ضمن ثورة الشعر التي تعني الإنعتاق من الإنغلاق وترك الإشتغال على السفاهات في المضمون والإشتغال على الأبعاد الغير مرئية مادام القارئ قد قفزت به المتغيرات قفزات هائلة إن أدركها اليوم أو أدركها غدا فقطعا سيصل للسر والإعجاز الذي يكتب به الشعر المعبر عن العلاقة الخاصة مابين الشاعر وعالمه عن طريق ذاتية نقية لاشراكة لها بأحد أو مع أحد.
[email protected]