على حين غرة تعلن مجموعة يُعتد بها من ضباط الجيش التركي عملية انقلاب كبيرة نتجت عنها سيطرة شبه كاملة على الوضع في تركيا قبل أن يوجه اردوغان رسالة عبر شبكات التواصل الاجتماعي للشعب يدعوه فيها لحماية الديمقراطية في البلد، وبعد وقت ليس بطويل من دعوته تخرج ملايين من الشعب وتعتقل الانقلابيين وتعيد الشرعية للرئيس في ظرف ساعات، وهنا بودي أن اطرح نقاطاً عدة لمستها في هذه العملية تفقدها مؤسسات الدول النامية ومنها العراق شعباً ومؤسسات في طريقة التعامل مع مثل هذه الأزمات الطارئة: أولى هذه النقاط أن الشعب خرج عن بكرة أبيه للدفاع عن حزب استطاع أن يحول تركيا من دولة تعاني من مشكلات اقتصادية وسياسية إلى دولة تحتل الريادة في الاقتصاد العالمي والسياسي بغض النظر عن وجهة نظرنا الشخصية من تدخلها السلبي في المنطقة العربية.
النقطة الثانية هي أن وحدات الجيش التي قادت الانقلاب لم تتعامل بقسوة مع الشعب الذي خرج لدعم الرئيس، وفضل أغلبهم الاستسلام على أن يضرب أهله، وهذه الصفة ايضا نفتقدها في التعامل مع المتظاهرين من بعض مفاصل القوات الأمنية لا سيما في الحكومة السابقة.
النقطة الثالثة أن أغلب الدول لم تستعجل في إعلان رؤيتها من هذا التغيير بإستثناء سوريا التي عبر سياسيوها وشعبها عن فرحهم بهذا الانقلاب، مثلما عبر مئات الآلاف من مستخدمي الفيس في العراق بما حدث لاردوغان متوقعين أنه رحل إلى مزبلة التاريخ بحسب وصف المنشورات والتغريدات، وكانت قناة العراقية من جهتها قلباً وقالباً مع الانقلابيين، وتناولت انباء غير صحيحة وصورت الانقلابيين وكأنهم جاءوا لينقذوا الشعب العراقي.
إيران ربما تكون البلد الوحيد المستفيد من رجوع أردوغان أو رحيله، فبرحيله يعني تغير مرحلي في سياسة تركيا يمكن لإيران أن تستثمره في تحسين مركزها الاقليمي والدولي، وبرجوعه الذي باركته عن طريق تصريح للحكومة الإيرانية: (لا مكان للانقلابيين في المنطقة) تكون إيران قد أعلنت تأييدها الواضح لعودة الشخص القوي مع قراءة إيرانية لتخلي الولايات المتحدة عنه وهي رؤية ربما أعلنها اردوغان نفسه حين قال: “إن تركيا اليوم هي غير تركيا الأمس” وهي اشارة إلى تغير في سياستها في المنطقة، يمكن لها تحقيق تقارب وتنسيق في المواقف بين الطرفين تركيا وإيران، وقد يتبعه تقارب روسي تركي وهذا يجعل السياسية الأمريكية تفقد أحد أهم أذرعها، لكن هذا لا يعني أن تركيا ستعلن عداءها الصريح للولايات المتحدة لانها تدرك حجم الملفات التي تملكها الولايات المتحدة ممكن أن تسبب لها قلقاً، كما أن هذه المحاولة الانقلابية ستزيد من حدة الصراع بين جمهورية اتاتورك والمملكة السعودية حول زعامة العالم الاسلامي، لاسيما بعد التأييد الواضح من وسائل الإعلام المحسوبة على المملكة للانقلابيين. والحديث يطول وإن غداً لناظره قريب.