18 ديسمبر، 2024 10:06 م

الشعب يقدّم للفاسدين مشروب السڤن أپ

الشعب يقدّم للفاسدين مشروب السڤن أپ

الحاج أبو كاظم،شيخ كبير،تجاوز الثمانون عاماً من العمر،يقطن في أريافنا العراقية،الجميلة بمنظرها وطبيعتها المدهشة.
كان وحيداً لأبيه—كما انه له ولداً وحيداً أيضاًوهو كاظم—ورث من أبيه أرض زراعية،غنية بالفاكهة،والخضروات، والحبوب،أضافة الى بعض المواشي والطيور.
كان شاباً نشطاً محباً لأرضه،يقضي وقته في الزراعة،وحراثة الأرض،فيخرج قبل طلوع الشمس، ويعود قبل الغروب،حتى ان غداءه يصل إليه في مكان عمله.
عاش سعيداً،وفي صحة وسلامة من بدنه،رجلاً بسيطاً محبوباً عند اهله، وجيرانه،وأقاربه،لا يحتاج لأحد،فهو مكتفي ذاتياً،فالأرض تعطيه الخضر والفاكهة،والحليب واللبن من الماشية،والبيض من الدجاج،فكان لا يخرج الى المدينة للتسوق،الاّ لحاجات ضرورية الى منزله.
الحاج أبو كاظم؛رمته الأعوام بسهام الشيب والهرم،كبر واحدودب ظهره، فأصبح لا يستطيع السير إلاّ مستنداً على عصا،وما ألطف ما قاله الشاعر:ولي عصا من طريق الذم أحمدهابها أقدم في تأخيرها قدميكأنها وهي في كفي أهش بهاعلى ثمانين عاماً لا على غنميكأنني قوسُ رامٍ وهي لي وترأرمي عليها سهام الشيب والهرم.
ولده كاظم،أصبح موظفاً،وتعيّن عام 2004،مع انه ليس له رغبة في الززاعة كأبيه،فأهملت تلك الأرض،وأصبحت خاوية على عروشها،بعد ان كانت تسرّ الناظرين،ببركة الحاح أبو كاظم،فلم يبقى من ذلك النعيم،سوى ثلاثة نعاج، يقضي أبو كاظم وقته معهن،حينما ينظر إليهن،والى أرضه التي أصبحت جرداء، يتحسر ويتذكر عمره وشبابه، وتلك الأيام التي خلت من قبل،ولو كان يحفظ أبيات ابو العتاهية،لتمثل بها مراراً وتكراراً،ولأخذ يرددها:
بكيت على الشباب بدمع عيني /فلم يغني البكاء ولا النحيب
فيا أسفا أسفت على شبابٍ/نعاه الشيب والرأس والخضيب
عريت من الشباب وكان غضاً/كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعود يوماً/فأخبره بما فعل المشيب.
الحاج جواد،وولده كاظم يسكنون في قرية نائية،والبيت يقع في أقصى القرية،الحاج جواد خفيف النوم،وهي عادة عند كبار السن،فأستيقظ على ثغاء الغنم،وإذا بذئب يهاجمهن، فنادى الحاج ولده:كاظم-كاظم-كاظم،فلم يجبه ولده،الذي يغط في نوم عميق،لولا ان زوجته أيقظته،لما استفاق،فجاء كاظم يمشي ببطء شديد،تكاد قدماه تحملاه من شدة النعاس،فقال نعم! يا أبتاه أنا تحت طوعك.قال له والده،هاجمنا ذئب وخطف نعجة من نعجاتي، وناديتك فلم تلبّي ندائي، واعلم يا بني ان هذا الذئب سيطمع ويعود مرة أخرى،ان لم يكن احد يردعه.قال:سأنصب له فخ وأقضي عليه فلا تكترث يا أبتاه!جهّز سلاحه كاظم،وقام يحرس النعجتان،شعر بالنعاس فذهب الى غرفته لينام قليلاً،وقال لزوجته:إذا سمعتي شيئاً،أو ناداني أبي أيقضيني بسرعة،وقبيل الفجر عاود الذئب مرة ثانية،فشعر به الحاج جواد،فنادى بصوت مرتفع:كاظم-يا كاظم-يا كاظم،ولم يكن لكاظم أي أثر!بعد ان سرق الذئب النعجة الثانية،جاء كاظم مهرولاً بسلاحه،ولكن قد فات الاوآن،فأستحى كاظم من أبيه،واطرق برأسه الى الأرض،وأضمر في نفسه ان الليلة القادمة سيقتل الذئب مهما كلفه الأمر.في الليلة التالية،عزم كاظم وبشدة على قتل الذئب،والأخذ بثاره منه،ظل مرابطاً طول الليل،شعر بمجيئ الغائط له،فذهب الى بيت الخلاء وفي هذا الوقت،هاجم الذئب النعجة المتبقية،فنادى عليه أبيه عدة مرات:كاظم بني ياكاظم.سمع النداء من أبيه،وحين انتهى من قضاء حاجته،جاء كاظم مسرعاً،ولكن الذئب كان أسرع منه،فخطف آخر نعجات الحاج جواد، فنظر الحاج الى ولده مستهزءاً به،وقال له:بني كاظم أجلب لي سڤن أپ! وما تفعل به يا أبتي في منتصف الليل؟ قال له:ليس لي وإنما للذئب فقد شبع من غنيماتي!
هذا هو الحال في العراق،فالحاج ابو كاظم يمثّل الشعب،وأبنه كاظم يمثّل القضاء،والذئب بمثابة الفاسدين.