“الشعب يريد” , هتفت بها الجماهير وأسقطت الأنظمة , لكنها وقفت متحيرة مندهشة , لا تدري ماذا تريد حقا!
تغيرت الأحوال , وما تفاعلت الإرادات لصناعة الوجود المشرق الموعود , الكامن في صرخة “الشعب يريد”.
والسبب الأساسي لهذا الفشل والتخبط , والتيهان المضطرب الحاصل في مجتمعات “الشعب يريد” , هو عدم قدرة الشعب على أن يصنع مَن يعبّر عن إرادته , ويقوده إلى طريق المستقبل والحياة الأفضل.
فغياب القائد المتمكن من تجسيد إرادة الشعب , هو العامل الأكبر في خيبة الشعب.
فالشعوب لا يمكنها أن تحقق ما تريد من غير قائد يتمثل ويمثل تلك الإرادة.
ففرنسا بعد الحرب العالمية الثانية لم يصنعها الشعب وإنما الجنرال ديغول , وكذلك بريطانيا لم يصنعها الشعب وإنما تشرتشل , وتركيا بعد الحرب العالمية الأولى , لم يصنعها الشعب وإنما مصطفى أتاتورك , والصين لم تصنعها الجماهير وإنما الرئيس ماو, وكوبا لم يصنعها الشعب وإنما فيدل كاسترو , ومصر لم يصنع الشعب وجودها العربي والعالمي , وإنما جمال عبد الناصر.
والثورات العربية لم تصنع شيئا لأنها بلا قائد , فلم تنجب قائدا بمقدوره أن يكون بحجم الإرادة الشعبية المنبثقة من أعماق التفاعلات الإنسانية اليومية , وقد تولاها مَن كانوا يمضون الوقت في خارج البلاد.
إن الشعوب وعلى مر العصور لا يمكنها أن تحقق إرادتها , من غير القائد الجماهيري الوطني , المدرك لمعطيات وتطلعات الإنسان الثائر , والقادر على صياغتها في مناهج عمل متفقة مع قدرات إطلاق ما فيه من طاقات حضارية.
ولكل شعب وأمة قائد تترتسم فيه ملامح الإرادة والتطلع الشعبي.
وما يجري في واقع الثورات في بلداننا أنها في محنة البحث عن قائدها الأصيل , ولا بد لها أن تجده أو تلده, لكي تتمكن من الوصول إلى أهدافها.
ويبدو أن مصر ربما أخذت ترسم ملامح قائد ثورتها , وأن عليه أن يكون أكثر حماسة وثقة وقوة , وإيمانا بأنه يستجيب لإرادة التأريخ والشعب , الذي يمكنه أن يمثله ويرتقي به إلى ميادين حضارية معاصرة.
والقوى الأخرى تدرك ضرورة وقيمة القائد للثورات لكي تبلغ أهدافها , ولهذا فهي تحاول تعويق الولادات الصادقة المتفقة مع إيقاع الثورات المتأججة.
وفي باقي دول الربيع العربي , لازالت التجربة تبحث عن قادتها , فالقائد لا بد له أن يكون حاضرا, لكي تتجسد الإرادة الثورية , وتتمتع الشعوب بالأمن والسلام والحرية.
إن فهم الديمقراطية بهذا المنطوق الكفيف الأعوج , قد تسبب في تداعيات سيئة , وعواقب غير حميدة , ومدمرة للحاضر والمستقبل , ولا بد لمجتمعات الأحلام الديمقراطية أن تصنع قائدها أولا , قبل أن تتحدث عن الديمقراطية والحرية , وأن تفهم بأن معنى “الشعب يريد” , لا يمكنه أن يكون إيجابيا , من غير قائد وطني مؤثر وقادر على تصنيع هذه الإرادة , وتوظيفها في مشاريع وطنية , ذات قيمة وتأثير في حياة الإنسان الثائر.
فلتنجب الثورات قادتها المعاصرين , المعبرين عن صرخة “الشعب يريد” بالجد والإجتهاد , والعمل الصادق السامي النبيل , المتوّج بالمعاني الوطنية والإنسانية العالية السمحاء!!
فأين القائد الممثل لنداء “الشعب يريد” , وإلا فأن الشعب لا يريد؟!!