23 ديسمبر، 2024 10:22 ص

الشعب والوزير والحكومة والبرلمان وما يأتي

الشعب والوزير والحكومة والبرلمان وما يأتي

كثيرا ما نتداول يوميا بالإطراء أو الذم في الأغلب وظيفة الوزير فمن هو الوزير كمنصب ؟ وكيف يتم اختاره ؟ ومن هي الحكومة ؟ الوزير في اللغة خاصة الملك أو حاشيته أو بطانته الذي يحمل ثقله ويُعينُه برأْيه في النظام الملكي أو رئيس الجمهورية في أنظمة الحكم الحديثة التي نسميها بالجمهورية وبالنظر لتشعب إدارة شؤون الدولة وتوسعها وللتمكن من احتوائها فقد تعدد الوزراء وتخصص كل شخص منهم بجانب معين ولكل مجتمع أو دولة تحديد عدد وزراءها حسب حاجتها أو ظرفها أو طبيعة نظام الحكم فيها وأصبحوا يدارون من قبل الوزير الأول أو رئيس الوزراء أو رئيس الحكومة الذي ينبغي عليه أن يختارهم بعناية فائقة لأنه سيكون مسئولا عن أدائهم أمام راعي القانون والشخص الأول في الدولة ملكا كان أو رئيسا وهذا أيضا يفترض أن يكون موضع محاسبة من قبل الشعب المحكوم صاحب المصلحة الحقيقية من وجوده كرأس الهرم هذا وقد أنجبت الشعوب أنظمة الحكم هذه منذ أقدم العصور وطورتها تلبية لحاجتها إلى من ينظم شؤونها الداخلية البينية وعلاقاتها الخارجية مع الشعوب الأخرى ووضعت أسس لذلك ثم يبدأ الهرم بالتدرج نزولا إلى قاعدته التي تنتهي بالمواطن البسيط الذي قد يشترك ويعمل في هذا الهيكل كجزء من منظومة تكبر حسب توسع الخدمات التي تقدم للشعب والحاجة إليها نسميها متكاملة (الحكومة) وهذه تأتي تسميتها من قابليتها على التحكم بمؤسساتها ومن حكمتها في إدارة وزاراتها وطبعا كل وزارة تتشعب أيضا وتتخصص بشكل أدق ومن هذا السرد يتضح إن لكل مجموعة من الموظفين شخص يديرهم وهم موضع محاسبة أمامه وهكذا صعودا وبالنتيجة الجميع يخضع للحساب أمام الوزير ومن ثم أمام رئيس الحكومة وفي النهاية أمام الشعب أو من يمثله وتاريخ الشعوب والأمم حافل بمحاسبة الشعب للحكام ولشعبنا العراقي في هذا أمثلة وتجارب قاسية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة.
يتم اختيار الوزراء بحسب نظام الحكم السائد ودستوره الذي ينبغي أن يكون الشعب هو من وضعه فأنظمة الحكم الدكتاتورية كما كان حالنا قبل عام 2003 كان الحاكم الدكتاتور هو من يسمي ويعين الوزير أو يبعده وقد تصل إلى التدخل بتعين اصغر موظف في أي وزارة أو في أنظمة الحكم الديمقراطية باختيار ممثلي الشعب “أي باختيار البرلمان” أو في حالة أخرى بالتوافق بين الكتل الفائزة في الانتخابات التي تكبر حصتها من الوزارات حسب ما حصلت عليه من أصوات كما هو حاصل في العراق اليوم وطبعا لكل طريقة سلبياتها وايجابياتها وما يعنينا حالنا وما يمر به بلدنا اليوم فنحن كشعب وضعنا دستورنا بما ينسجم مع أعرافنا وتقاليدنا وهو قابل للخطأ والصواب وأنتجنا تجربتنا التي كنا نتمناها وبعد مرور أكثر من عقد لازالت فتية وظهرت في الدستور عراقيل وسلبيات وثغرات تعمل على تعطيل ما يخدم مصالحنا ولأننا شعب حي ومتطور نحتاج بين الحين والآخر لإصلاحها فهي ليست منزلة من السماء ولا متكاملة ولا من وضعها يمتاز بالعصمة وقد خاطب الشعب قياداته طيلة السنوات الماضية مطالبا إياها بإصلاح حال الدستور وسد ثغراته وإصلاح طريقة أداء الوزراء وعندما فشل في إيصال صوته اتجه إلى التظاهر وفق الدستور المعمول به ليعلن بصوت أعلى مطالبته بالإصلاح ساندته في ذلك مرجعيته الدينية الرشيدة وما لها من ثقل لا يمكن تجاهله أو الاستغناء عنه لدورها وتأثيرها في بناء هذه التجربة ثم اتجه إلى الاعتصام وأخيرا عشنا ممارسة لأول مرة دخل فيها المعتصمون إلى مبنى البرلمان ومعروف للجميع ما حصل فيها.
إن الوزير في بلدنا اليوم موظف في الحكومة يتم اختياره بالتوافق وهذا الاختيار قابل للخطأ والصواب يقوم وفق ما يتمكن من انجازه في وزارته طيلة فترة إستيزاره ويمكن أن يلاحظ ذلك من الخطوة الأولى ومن برنامج عمله الذي يلزم نفسه به وإذا كانت غالبية الشعب العراقي قد أجمعت وراهنت على نجاح السيد حيدر العبادي وساندته في إمكانيته على تلبية مصالحها فإنها قد حملته أعباء أمانة ثقيلة تجعله شخصيا موضعا للحساب ولا يمكنه قيادة دفة الدولة بنجاح وعبور خطورة المرحلة الحالية التي تقاطعت فيها المصالح الفئوية من جهة واشتدت فيها هجمة عصابات داعش الإرهابية أعداء الله والدين والوطن على مختلف دولهم وانتماءاتهم العرقية كظاهرة منحرفة شاذة تسعى أولا للنيل من الدين الإسلامي الحنيف وتحت ستار الدين والدين الإسلامي منهم براء , نقول لا يمكنه النجاح إلا إذا آزرته كل القوى الوطنية وتكاتفت معه وصبرت عليه القوى السياسية وتجاوزت مطالبها الفئوية الآنية بحيث يتوجب على الجميع منح السيد العبادي فرصته الكافية التي يجب أن لا تطول في تنقية حكومته مما يشوبها من تقرحات وبتر الأجزاء المشوهة والمعرقلة لحركة البناء فيها بينما يتبنى البرلمان العمل على إصلاح الدستور بما يمكنه من محاسبة الفاسد الذي حدده الشعب مع ملاحظة إن هؤلاء “الفاسدين والمفسدين” قد احتاطوا وتحصنوا لحماية أنفسهم بما سرقوه من المال العام وفق معادلة طردية أمنت لهم البقاء لفترة مستقبلية طويلة.
إن مكمن الخطورة في اختلاف الكتل السياسية التي تدير الحكم في العراق مع قواعدها التي تمثلها في البرلمان وانشقاقها عليها وان كانت ظاهرة صحية انبثقت عنها كتلة برلمانية معارضة تدعي عبورها لكل الانتماءات السابقة الطائفية والقومية والفئوية وهي كما تعلن ستعمل على لملمة جراح الدولة العراقية وجبهة بوجه كل محاولات تمزيق العراق إلا أنها لم تزل عبارة عن خليط غير متجانس تفتقر إلى مقومات الاستمرار وهي مهلهلة تكاد لا تصمد أمام الضغوط الداخلية والخارجية كما أنها لا تستطيع الصمود أمام عملية تقاسم الرئاسات التي بنيت عليها العملية السياسية وتشكلت على أساسها الحكومة بعد انتخابات عام 2014 .
لقد تحفظ الدكتور حيدر العبادي على أسباب إقالة وزرائه مقابل تمسك قسم من الكتل المؤتلفة في الحكومة بمن يمثلها في مجلس الوزراء لعدم وضوح أساب الإقالة مقابل طعن قسم من الوزراء في شرعية التصويت على إقالتهم في البرلمان أمام المحكمة الاتحادية وهذه جميعها عقبات حقيقية تضاعف من حجم الأزمات التي تعاني منها البلاد كان بالإمكان تجاوزها منذ لحظاتها الأولى لو قام السيد فؤاد معصوم بدوره كرئيس لجمهورية العراق وأقال السيد حيدر العبادي وكلفه من جديد بتشكيلة وزارية جديدة تقوم على نفس الأسس الأولى بمن يريد من وزراء مهنيين يعول عليهم في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة ولكن ضعف أو انعدام الثقة بين الكتل كانت الحائل دون ذلك وربما سنعود إليه كحل امثل لما نعاني منه الآن ويبقى السؤال الأهم هل يحتمل الوضع العراقي أعباء تجربة جديدة لوزراء جدد وكم ستطول فترة اختبارهم ونحن بحاجة إلى من يجب أن ينجح وينجح فقط.
لقد قفزت الأزمات إلى الإمام وانشطرت وتضخمت من تظاهر على نقص الخدمات إلى أزمة اقتصادية إلى تغير الوزراء إلى اعتصامات إلى انشطار البرلمان ولم يتبدل شيء وكلها تؤشر إلى اختصار الدورة الانتخابية الحالة والعودة على مضض إلى الشعب ليكون الفيصل في انتخابات مبكرة والله اعلم .
حمى الله شعبنا من الويلات وحفظه من كل مكروه .