23 ديسمبر، 2024 1:29 ص

الشعب بين صخرة سيزيف وصخرة بلال الحبشي

الشعب بين صخرة سيزيف وصخرة بلال الحبشي

تقول الاسطورة الاغريقية القديمة ان الالهة عاقبت سيزيف بأن يقوم بحمل حجر ضخم الى قمة جبل . وهناك .. وقبل الوصول الى القمة يسقط الحجر الى قاع الوادي . ويكون على سيزيف ان يحمل الحجر مرة اخرى ، ويتكرر المشهد معه مجددا ، مرة تلو مرة تلو مرة … الى ما لانهاية .
وعقوبة سيزيف ان يستمر بأداء عمل لاجدوى منه ولامعنى له . وجهد لاطائل من ورائه .
وحياتنا – نحن العراقيون – اليوم أشبه بعمل سيزيف مع الحكومات المتعابقة . وكل يوم “جديد” لا جديد فيه . نقبع في قاع الحياة برتابة مملة ومقيتة . فكلما حملنا صخرة مطاليبنا واحلامنا على اكتافنا الى اعلى نجد ان كل حكومة تؤدي دور آلهة الاغريق تعاقبنا برمي احلامنا البسيطة الى القاع دون تلبية حقيقية لمطالبنا في العيش الكريم . وهكذا نظل نحمل الصخرة ومهمة حكوماتنا الوحيدة والمحددة التسويف مع الشعب لحين اكمال الدورة الحكومية .. وهكذا دواليك .
ان حياتنا سيزيفية .. يعيشها مواطننا في صورة اقرب الى العبثية والتجريدية . فهي غير واضحة المعالم وانعكاساتها سلبا لاسيما مع اوضاع البلد الذي تتلاقفه الحرائق من كل حدب وصوب . ويبدو ان ( الاقدار ) وضعتنا في دور واحد . دور هامشي غير مرئي وغير مؤثر في قرار الحياة ولعنة سيزيف تطاردنا .
لكن هنالك صخرة اخرى كانت سببا في التحرر من الظلم والطغيان والعبودية ألا وهي صخرة بلال الحبشي الذي اسلم بالدعوة الاسلامية . وبلال عبد اسود كان مملوك لـ ( امية ) احد كبار قريش المعارضين لدعوة محمد ( ص ) . وكان الد اعداء الرسول ( ص ) في ذلك الوقت . وحين احس امية او علم من وشاية بأيمان بلال . حاول رده عن الاسلام ويعود لعبادة الاصنام . فما كان من امية بعد رفض وتصميم بلال على دين الهداية سوى مواجهة بلال اشد انواع العذاب . فكان آخرها ان وضع حجرا ضخما على صدر بلال – وهذا الاسلوب في التعذيب من ابداع امية غير موجود في السابق – لكي تحجز عنه الهواء لاسيما وان ظهر بلال كان ملتصقا بالرمل الحار الحراق . لكن بلال رغم العذاب والالم الكبير الذي لايطاق اطلق كلمته الشهيرة ( احد ، احد ) التي اهتزت منها عروش قريش ويئس منه طغاة الكفر والظلم ان يزحزوا ايمان عبد اسود آمن بكل جوارحه بدين محمد ( ص ) متحديا جميع كل التهديدات ليصمد بوجه طرق التعذيب التي مورست بحقه فحافظ على دينه وهو تحت الصخر متحملا ثقلها على صدره . واستطاع بلال العبد من كسر ارادة امية مما جعل الاخير ان يتخذ قرارا اضطراريا ان يبيعه او يستبدله بعبد آخر بعرض من احد اصحاب الرسول ليطلق حريته . وبهذا الفوز استطاع بلال من نيل حريته والحفاظ على ايمانه وكسر شوكة الظلم .
ولو اراد الشعب يوما الحياة لابد ان يستجيب القدر . ولكن يبدو ان الشعب العراقي بعيدا عن هذه المقولة فلا توجد همة وسعي نحو صخرة بلال التي ترمز الى الحرية والصمود والايمان . وجميع المؤشرات تؤكد ان دور الشعب سيزيفي النزعة وسيبقى اسيرا ومقيدا بصخرته الصماء لأنه يعاني من عجز متوطن حد النخاع . وعجزه هذا يترجم الى مايسمى في علم النفس بالعجز التلقيني ناتج جراء سياسات حكومية على مدار عقود من الزمن سلبت منه ارادته وايمانه ومن ثم قناعته في انعدام القدرة على التغيير والرضى والتسليم بالواقع الموجود والوهم المتصور بأن هذا قدره المكتوب وعليه ان يعيش فيه الى ان يموت . اتذكر مقوله كبيرة في معناها ” ان الفراعنة والاباطرة تألهوا ، لانهم وجدوا جماهير تخدمهم بلا وعي ” .