11 أبريل، 2024 4:59 ص
Search
Close this search box.

الشعب المثقف و ليس الذي يقاطع الإنتخابات مصدر السلطات

Facebook
Twitter
LinkedIn

نصت المادة 5 من دستور جمهورية العراق لعام 2005: “السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية”. و المادة 20 منه: “للمواطنين، رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح”، و بذلك يستطيع أي شخص أن يصبح عضوا ً في مجلس النواب بالترشيح لهذه العضوية و إنتخابه من قبل الآخرين. و الترشيح لمجلس النواب يكون بالقائمة المنفردة التي تضم فرد واحد أو بالقائمة المفتوحة التي تضم ما لا يقل عن ثلاثة أفراد و ذلك إستنادا ً لقانون إنتخابات مجلس النواب العراقي رقم 45 لسنة 2013، المادة – 1: “القائمة المنفردة: و هي القائمة التي يحق لفرد واحد أن يرشح بها للإنتخابات على أن يكون مسجلا ً لدى المفوضية و القائمة المفتوحة: و هي القائمة التي تحوي على أسماء المرشحين المعلنة” و المادة – 12: “يكون الترشيح بطريقة القائمة المفتوحة و لا يقل عدد المرشحين فيها عن ثلاثة و يحق للناخب التصويت للقائمة أو القائمة و أحد المرشحين فيها و يجوز الترشيح الفردي”.
و كل كيان سياسي يستطيع ضمان الأصوات الإنتخابية التي يحصل عليها بشرط أن يؤمن ممثلين عنه في كل محطة إقتراع و مركز إعادة فرز و عد فرعي وفق المادة 38 من قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي رقم 45 لسنة 2013: “تجري عملية الفرز و عد الأصوات و إنجاز الإستمارات الخاصة بها فور إنتهاء عملية الإقتراع في كل محطة من محطات الإقتراع و يزود ممثلي الكيانات السياسية بنسخة ورقية منها بعد مصادقتها من مدير المحطة الإنتخابية، و تعلق الإستمارة في مكان مخصص للإعلام في كل محطة إنتخابية و تقوم المفوضية بفتح مراكز فرز و عد فرعية لغرض إعادة العد و الفرز لجميع المحطات و مراكز الإقتراع و يزود ممثلي الكيانات السياسية بنسخ ورقية من نتائج العد و الفرز”. أما الكيانات السياسية التي لا تستطيع تأمين ممثلين عنها فليس لها عذر بالإدعاء بتزوير الإنتخابات فالقانون أجاز لها طريقة لضمان الأصوات التي تحصل عليها و لكنها لم تفعل، و طبعا ً هذا لا يمنع التزوير خلف الكواليس بالطرق التقليدية من قبل الكيانات المهيمنة على المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات لصالح بعض مرشيحها على حساب البعض الآخر أو لصالحها على حساب الكيانات الصغيرة و الناشئة و حسب إعتراف بعض السياسيين المطلعين على هذه الأمور. فالكيانات الصغيرة و الناشئة لا تمتلك الأموال اللازمة لتجنيد ممثلين عنها لمراقبة العد و الفرز في كل محطة إنتخابية و لا الناس مستعدة للتطوع لها للقيام بهذا الدور مجانا ً بينما الكيانات المهيمنة على السلطة تمتلك الأموال الطائلة تمكنها من تجنيد الممثلين عنها لمراقبة العد و الفرز و حتى شراء أصوات الناخبين البسطاء المحتاجين الذين يتوفرون بكثرة و هم يرجحون كفة من يدفع أكثر من الكيانات المشاركة في الإنتخابات.
و لكن يبدو بأنه كانت هنالك نية مبيتة لتزوير إنتخابات مجلس نواب 2018 بشكل جذري كما كشفت عن ذلك الأحداث التي وقعت على الأرض و بطريقة جديدة مبتكرة تضمن نجاحها و كان السبيل إلى ذلك هو إلغاء الرقابة البصرية على العد و الفرز اليدوي و جعل العد و الفرز ألكترونيا ً ليكون بعيدا ً عن أعين ممثلي الكيانات السياسية. و لإنجاز ذلك تم إلغاء نص المادة 38 من قانون الإنتخابات و تشريع نص جديد بدلا ً عنه بموجب التعديل الأول لقانون إنتخابات مجلس النواب: “تجري عملية الفرز و العد باستخدام جهاز تسريع النتائج الألكتروني و يتم تزويد وكلاء الأحزاب السياسية بنسخة ألكترونية من إستمارات النتائج و أوراق الإقتراع في كل محطة من محطات الإقتراع”. و بهذا القانون لم يعد بإمكان وكلاء الأحزاب السياسية حتى رؤية أوراق الإقتراع و ليس فرزها و عدها يدويا ً، أما ما يسمى بالنسخة الألكترونية من إستمارات النتائج و أوراق الإقتراع التي يزود بها وكلاء الأحزاب السياسية فهذه يمكن التحكم بمحتوياتها من قبل مبرمجي أجهزة الفرز و العد عبر الإنترنت و حتى من خارج العراق و بذلك يكون التزوير يسيرا ً و مضمونا ً، و مما ساعد في تسهيل التزوير هو إلغاء فتح مراكز فرز و عد فرعية لغرض إعادة العد و الفرز لجميع المحطات و مراكز الإقتراع الذي كان معمولا ً به في إنتخابات 2014 حيث بهذا الإلغاء تم ضمان إبقاء أوراق الإقتراع بعيدا ً عن عيون وكلاء الأحزاب السياسية. و بذلك ضمنت الأحزاب المهيمنة على مفوضية الإنتخابات إبعاد الأحزاب الصغيرة و الناشئة عن ساحة الإنتخابات في حالة تطوع الناس كوكلاء عنها لمراقبة الفرز و العد. و لزيادة التحكم بعملية التزوير و ضمان نجاحه كان من المفيد تقليل حجم البيانات المراد التعامل بها و ذلك بتقليل عدد المشاركين في الإنتخابات الذين يناوئون الأحزاب المهيمنة على السلطة و لذلك تم إطلاق حملة لمقاطعة الإنتخابات بحجج مختلفة يقتنع بها هؤلاء المناوئون، و بالفعل أتت الحملة أوكلها حيث قاطع الإنتخابات غالبية الشعب العراقي بنسبة حوالي 80% و هي نسبة كبيرة جدا ً، و لو شارك هؤلاء المناوئون باختيار وجوه جديدة لانقلبت الطاولة على المخضرمين الذين يناوئونهم.
كانت أحد الأسباب التي دعت الناس إلى مقاطعة الإنتخابات هو أن رئيس القائمة الإنتخابية يحصل على جميع أصوات المرشحين في قائمته و هو الذي يقوم بإعادة توزيع الأصوات على المرشحين وفق مزاجه الشخصي، و هذا الإعتقاد غير صحيح و هو يخالف بما جاء في المادة 14 – ثالثا ً من قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي: “توزع المقاعد داخل القائمة بإعادة ترتيب تسلسل المرشحين إستنادا ً على عدد الأصوات التي حصل عليها كلا ً منهم، و يكون الفائز الأول من يحصل على أعلى الأصوات و هكذا بالنسبة لبقية المرشحين”.
و لكن رغم إفتضاح تزوير الإنتخابات و ردود الفعل الشعبية الغاضبة و المستهزئة تجاهها فإن هذه الأحزاب التي ظهرت فائزة في الإنتخابات تجاهلت إتهامات تزوير الإنتخابات و مضت قدما ً في المفاوضات لتشكيل الحكومة القادمة مما أثار حفيظة الذين صوتوا للتغيير و الذين قاطعوا الإنتخابات الذين يشكلون مجتمعين 90% من الشعب، و هي نسبة كبيرة جدا ً تمثل غالبية الشعب، و نتيجة لذلك و بالتزامن مع نقص الكهرباء و الماء في الصيف الحار و الشعور بالحيف من قبل الطبقات المسحوقة من الشعب و خاصة ً في المناطق الجنوبية إندلعت التظاهرات الصاخبة تطالب بتوفير الخدمات و فرص العمل. و لكن الحكومة واجهت المتظاهرين بإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريقهم و إطلاق الرصاص الحي عليهم لقتل بعضهم و إعتقال بعض آخر منهم لتخويفهم من إعادة التظاهر و كذلك إطلاق الوعود الوردية لتهدئة الوضع العام و منع إنتشار و زيادة زخم التظاهرات.
إن التظاهرات التي أعقبت الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي طالبت بتوفير الخدمات و فرص العمل علا صوتها على التظاهرات التي طالبت بإعادة الإنتخابات لتزويرها و هي بذلك وفرت الغطاء لتمرير تزوير الإنتخابات، و هي كذلك تعتبر إقرار بفوز الأحزاب التي إعترفت على نفسها بتزوير الإنتخابات فعندما تطلب الجماهير من حكومة إنتهت ولايتها فهذا يعني إقرار بإستمرار ولايتها أي إقرار بفوز الأحزاب التي تشكلها، و كأن لا تزوير حصل و لا هم يحزنون.
في ظل هذه الفوضى التي حدثت بفعل تزوير الإنتخابات نتيجة إستخدام جهاز تسريع نتائج الإنتخابات الألكترونية و تحت ضغط الرأي العام إنبرى جمع من النواب لتصحيح مسار العملية الإنتخابية فأصدروا قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب المادة 1: “تعدل المادة ( 38) من قانون انتخابات مجلس النواب المعدل رقم (45) لسنة 2013 وتقرأ كالتالي :”تلتزم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باعادة العد والفرز اليدوي لكل المراكز الانتخابية في عموم العراق وبحضور وكلاء الكيانات السياسية ويلغى العمل بجهاز تسريع النتائج الالكترونية وتعمتد النتائج على اساس العد والفرز اليدوي ويشمل هذا العد والفرز كافة المحطات حتى المحطات الملغاة منها” .
لقد كان على متظاهري التظاهرات الأخيرة أن يطالبوا بإنتخابات نزيهة تضمن صعود أشخاص للبرلمان منتخبين من قبلهم عسى و لعل أن يستطيعوا تنفيذ مطاليبهم بتوفير الخدمات و فرص العمل و كان على الذين قاطعوا الإنتخابات أن يشاركوا في الإنتخابات و أن ينتخبوا وجوه و أحزاب جديدة بناء ً على برامج إنتخابية عملية واقعية و ليس برامج تنظيرية خيالية.
إن ترك الشعب للأمور على الغارب دون مشاركة واعية في صنع الأحداث كما أقرها الدستور و القانون فإن ذلك يسبب لنا الخراب من سيء إلى أسوأ و كما حدث لنا على مر الدورات الإنتخابية السابقة لقوله قال سبحانه و تعالى: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” (هود117).

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب