” أمْسَيْتُ أرْوَحَ مُثْرٍ، خَازِناً وَيَداً … أنَا الغَنيّ وَأمْوَالي المَوَاعِيدُ”
ماذا يريد الشعب العراقي أكثر؟ فجميع السياسيين، واحدا واحدا، معممين و(أفندية)، يمينيين ويساريين، عربا وكردا وتركمانا، شيعةً وسنة، داعشيين و(حشديين)، مع الشعب العراقي، ومع وحدة مكوناته، وضمان أمنه واستقراره، ومستعدون للتضحية بالغالي والنفيس من أجل الحفاظ على أمنه وسيادته واستقلاه، وإلى آخر نفس.
في كل يوم تشاهد كبيرهم وصغيرهم على شاشات الفضائيات والصحف وهو يقسم بشرفه وشرف جدوده أنه ضد المحاصصة، وضد الفساد، وضد العنف، وضد التمييز بين عراقي وآخر على أساس الطائفة أو القومية أو الدين، ولا يقلقه ويقض مضاجعه ويخيفه إلا حقن دماء أشقائه العراقيين.
كلهم، من كبيرهم إلى صغيرهم يطالبون بالقصاص من الفاسدين، وينادون بإخراج الدولة الغارقة من مغطسها المهين.
وليس السياسيون العراقيون وحدهم. فإيران وحزب الله وتركيا وأمريكا والسعودية والكويت، وأوربا، وأفريقيا، والصين واليابان، وحتى الصومال وجيبوتي وجزائر الواق واق، هي الأخرى مع عراق موحد وآمن وسعيد. وجميع إذاعاتها وفضائياتها، تلهج كلَّ صباح، وكل مساء، بتصريحات وزراء خارجيتها وقادة جيوشها حول ضرورة المصالحة الوطنية، والحفاظ على أمن الشعب العراقي واستقراره، وإغاثة جياعه، وإعادة مهجَّريه ومهاجريه إليه، وفتح أبواب الجنة أمامه، دون هوادة، ودون تأخير.
إذن من الذي مزق هذا الشعب وأفسد حياته، وعمق بين أبنائه الفرقة والتناحر والاقتتال؟ ومن الذي لوث ماءه، وأفسد هواءه، وسرق ثرواته، وخرب مدنه وقراه، وحرم أبناءه الغذاء والدواء والهواء، وأطلق على عليه قطاع الطرق والقتلة واللصوص، حتى صارت الدولة العراقية أسوأ دولة، وأفشل دولة، وأفقر دولة في العالم، يُضرب المثل بفسادها، وبقلة أمنها، وخراب حاضرها، و(صخامة) مستقبل أجيالها القادمة؟
ومن الذي اختار له، بالمحاصصة، قادةً ووزراء ومدراء وسفراء انتهازيين وأميين ومزوري شهادات، فعبث بحياته، وأباح دماء أبنائه وأموالهم وأعراضهم، وهرَّب ثرواته إلى دبي والأردن ولبنان وإيران ولندن وحي السيدة زينب في دمشق؟
ومن الذي جعل كلمة المليشيا هي العليا، وكلمة الدولة والحكومة والبرلمان هي السفلى؟
ومن الذي خرَّب علاقات الدولة العراقية بجيرانها، وبدول العالم، وجَيَر الوطنَ وأهله لإمامة ِ دولةٍ جارة لم تُضمر لهذا الوطن المسكين إلا كل سوء، ليس الآن فقط، بل من مئات السنين؟
ومن الذي يحج كل شهر إلى طهران والرياض ودبي والدوحة والكويت وأنقرة ولندن وواشنطن وباريس ليبيع أمه وأباه لمن يشتري، وليقبض (المعلوم) ويعود يتغنى بالوطنية والنزاهة والشرف الرفيع؟
ومن الذي هجر الآلاف والملايين من المواطنين الأبرياء، ونهب منازلهم، وقتل وأحرق وسحل العشرات والمئات من رجالهم ونسائهم وأطفالهم، ثأرا للحسين من يزيد، واقتصاصا من الداعشيين والبعثيين الصداميين والوهابيين التكفيريين النواصب؟
ومن الذي يخزن المفخخات في بيوت الله، ويرسل الانتحاريين ليفجروا أنفسهم في مئات المواطنين الأبرياء في الحسينيات والمدارس والساحات العامة والأسواق الشعبية، خدمة للطائفة والدين، وثأرا لأبي بكر وعمر وعثمان من شاتميهم الروافض (الكافرين)؟
ومن الذي أرسل المئات من شبابه ليموتوا في سوريا، لا دفاعا عن المقاومة، ولا حمايةً لضريح السيدة زينب، كما يدعي، بل (جهادا) مقدسا من أجل أهداف توسعية عنصرية مقنعة برداء الدين والطائفة، متحالفا مع حاكم مجرم قاتل همجي يريد أن يحكم شعبا لا يريده، بالبراميل المتفجرة والصواريخ؟
ومَن المنتقمُ المتآمرُ الخبيث الذي سحب جيشه من نينوى وصلاح الدين والأنبار لكي ُيسهِّل لداعش احتلالها، وذبحَ أقصى ما يمكن من رجالها، وسبي أقصى ما يمكن من نسائها، وهدم أقصى ما يمكن من مساجدها ومدارسها، وإذلال من يتبقى من أهلها؟
بعبارة أخرى، من الذي رسم هذه المسرحية الجهنمية المتقنة لكي يتنادى، بعد ذلك، لتحريرها، ويفرغ خزائن الدولة المفلسة، ولكي يفتح أمام أتباعه ومقلديه أبواب ارتزاق جديدة لا تنتهي؟
ومن 2003، وإلى اليوم، يخرج الشعب العراقي من نفق ليدخل نفقا غيره، ومن مجزرة إلى مجزرة، ومن معركة إلى معركة، باسم الدفاع عن حقوقه، ومن أجل تحقيق العدل والمساواة.
ألما الحل الذي يريده الشعب العراقي فهو انكشاح الغمة من أساسها، بأشخاصها وأحزابها وقبائلها ومراجعها، وقيام الميت من تابوته الذي لم يصنعه سوى أولئك المنافقون والمشعوذون والمختلسون، بقضهم وقضيضهم، وما زال ينتظر.