22 ديسمبر، 2024 7:28 م

الشعب العراقي وإِرادة التغيير

الشعب العراقي وإِرادة التغيير

إِنَّ الوعي الجماهيري هو الدعامة الرئيسية، التي تستند عليها كل عمليّة تغيير اجتماعي، سواءً كان على المستوى الفكري أو الثقافي أو العقائدي أو السياسي أو الاقتصادي أو السلوكي. هذه الدعامة تشكل منطقة الخطر الحرجة، التي يخشاها كلّ من لا يُريد، حصول أيّ نشاط تغييري اصلاحي في مجتمعه، على مستوى الأفراد أو الجماعات.

و العراقيون على اعتاب البدء، بعملية التغيير السياسية، فبعد حالة من السُّبات مرّت بها أطياف الشعب العراقي، بمختلف مكوناتها و انتماءآتها، استمرت قرابة العَقّْد من السنين. هذه السنين العجاف الطويلة، كانت مخاضاً لولادة تجربة سياسية فاشلة، خيّبت ظنون الأعم الأغلب من ابناءالشعب العراقي.

فقد سجلت هذه الحقبة من تاريخ العراق، اخفاقاً منقطع النظير في مجال العمل السياسي و الاقتصادي و التعليمي و الثقافي و العمراني، و القائمة تطول اذا ما استمرينا بعدّ السلبيات. كان الفشل من حصة جميع الكيانات و المكونات السياسية، التي انتجت العملية السياسية دون استثناء. فاصبح الفساد السياسي و المالي و الاداري، سمة مميزة لتاريخ هذه الفترة التاريخية البائسة.

بلا شكّ ان الشعب العراقي، قدّ أسهم بصورة مباشرة، على تعقيد الوضع على نفسه، بسبب حالة السكوت و الركون الى وعود السياسيين، سنة بعد أخرى. لمّْ يَفُقّْ الشعب العراقي من غفوته، إلاّ بعدما تفاجأ، بأن الواقع الاقتصادي للبلاد أصبح واقعاً مأساوياً. فالعراق على شفا حالة من الافلاس التام. و

للأمانة فان عدداً لا يتجاوز عدد أصابع اليدين من النوّاب، و مثلهم من المسؤولين الحكوميين، كانوا يتكلمون بصراحة تامّة، عبر وسائل الاعلام المختلفة، كاشفين للرأي العام العراقي، اسباب تردي الخدمات، و ما يتّصل بكل الجوانب الحياتية، للمجتمع العراقي. لكن المؤسف ان الشعب العراقي، ظلّ يعيش حالة من الاسترخاء و التكاسل، لتغيير واقعه نحو الأفضل. ولم يتحرك مطالباً فعلاً، بالتغيير و الاصلاح و محاسبة المفسدين، إِلاّ في نهاية شهر تموز 2015.

يبدو أن الوعي الجماهيري، بدأ يدخل في مرحلة النضوج، و تفهم أبعاد الواقع الذي انتج، ضياع ثروات كل الشّعب العراقي. و لعلّ من المناسب أن أذكر، أن حجم الأموال المهدورة، التي أكلها الفساد الحكومي، بلغت حسب تقديرات المختصين بحدود (800) مليار دولار، للفترة (من2004 لغاية 2014).

إذن مرحلة نضج الوعي عند الشعب العراقي، قد كلفت العراقيين احراق مبلغ قدره (800) مليار دولار، حتى بدأ العراقيون يستوعبون حجم مأساتهم الاجتماعيّة. لكن مع تلك الخسارة الفادحة في المال العامّ، فان الجماهير العراقية الواعية خطت الخطوة الأولى بالاتجاه الصحيح.

هذا المؤشر يشير لبداية تشكيل مرحلة تاريخية، من تاريخ العراق السياسي الحديث. و هنا لابدّ أن نضع الركائز الأساسية التي تستند عليها المرحلة القادمة، ليكون الشعب العراقي على بيّنة تامّة، لمستقبل الخطوات التي يريد تحقيقها. وهذه الركائز حسب رؤيتي للواقع عن كثب هي:

1. أن تتحرك الجماهير باصرار، باتّجاه التغيير الجذري للواقع العراقي. و أن يكون على رأس قائمة التغيير، تغيير الواقع السياسي، الذي يعتبر قاعدة الهرم، التي تبنى عليها أسس الدولة (ككيان هيكلي تنظيمي)، و السلطة (ككيان تنفيذي)، سواء كان ذلك على مستوى تغيير هيكلية النظام السياسي، أو بنيّة النظام السياسي.

2. أن تلتزم الجماهير المنادية بمسيرة التغيير، بكل المعايير المدنية الحضاريّة، و كافة الضوابط القانونيّة، و ان تتحرك على اساس ان الدستور العراقي، قدّ ضمن لها حق الاعتراض و التظاهر، وهي ملتزمة بالانضباط و المحافظة على النظام العام و القانون.

3. أن تعتقد الجماهير الغاضبة، و الراغبة بتغيير الواقع نحو الأفضل، بأن الانتماء للعراق فوق كل الانتماءآت الأخرى، حتى نخرج من حالة تكريس، متطلبات الطائفية والمحاصصات السياسية.

4. أن لا تقف الجماهير العراقية، عند حدود تحقيق الاصلاحات الخدميّة، فان أُسَّ المشكلة، يكمن في الممارسة السياسية، التي انتجت حكومات فاشلة مكبلة بقيود التوافقات السياسية المقيتة، بعيداً عن النظرة الشاملة، لمصلحة عموم طبقات الشعب العراقي.

5. حذار من الانزلاق في دوامة الفوضى و الأعمال العبثيّة، فان في ذلك أُمنيَةَ كلِّ الفاسدين و المفسدين، الذين يتربصون بافتعال أزمة معيّنة، تؤدي إلى انفلات المتظاهرين، و القيام بأعمال عدوانية، تطال المال العام ومؤسسات الدولة. حتى تنفرط الوحدة الوطنية و الاجماع الوطني، الذي عبأ الجماهير للخروج الى الشارع، و التعبير عن احتجاجها بسبب تردي الواقع العراقي المؤلم. و ان حدث ذلك (لا سمح الله)، فان الفاسدين و المفسدين سيجدون متنفساً، للخروج من حلقة التضيّيق الشعبي التي تخنقهم، يوماً بعد يوم.

6. على الجماهير المتظاهرة، أن تحدّد مطالبها بدقة، و ان تختار ممثلين عنها، يمتازون بالوعي الوطني النّاضج، و قدر عالٍ من الثقافة. حتى تتحقق حالة التنظيم بين صفوف الجماهير، اضافة للوصول الى حالة تحقيق الأهداف المطلوبة، بأقصر طريق و أقصر مدّة زمنيّة.

7. أن تَحذَرَ الجماهير، المطالبة بحقوقها المشروعة، من حالات الاختراق المعادية، التي تحاول شقّ صفوف وحدة الجماهير. فأجهزة المخابرات المعادية للعراق، ستجد في أجواء التظاهرات، فرصة كبيرة و واسعة للعمل في ساحة المتظاهرين، لخلط الاوراق على الجميع، و تحقيق مصالح الدول المعادية للعراق.

هذه النقاط استخلصتها من تجربتي الخاصة، التي تمتدّ لفترة الستينيات من القرن الماضي. فوجدت من الضروري ان اضعها، نُصب أَعين أَبنائي العراقيين الغياري، الذين يدافعون عن الحقوق المهضومة للغالبية المسحوقة، من ابناء الشعب العراقي. و الله تعالى من وراء القصد.