كانت أنظار الشعب العراقي مشدودة قبل سقوط النظام الديكتاتوري المجرم , إلى ما يسّمى في حينها بأحزاب المعارضة العراقية , في إقامة نظام ديمقراطي بديل يعيد بناء شخصية الإنسان العراقي اليائسة والمحّطمة بسبب حروب النظام الديكتاتوري العبثية والحصار الاقتصادي الجائر وسياسات النظام القمعية والدموية , وحينها كان الشعب يتطلع لقيام نظام مدني ديمقراطي قائم على اساس المواطنة وتحكمه مؤسسات ديمقراطية قائمة على أساس القانون , لكنّ هذه التطلعات و الأماني التي حلم بها الجميع , سرعان ما تبّخرت وتلاشت , لتحلّ محلها الشعارات الطائفية و القومية في عملية غسيل ممنهجة للعقل الجمعي العراقي , شاركت بها أحزاب سياسية ومؤسسات دينية مهدّت الطريق لما يسمى بأحزاب الإسلام السياسي التي أحكمت قبضتها على مقاليد الأمور في البلد , لتقدم أسوء وأفسد نموذج للإدارة في تأريخ العراق السياسي الحديث .
وشعوب العالم قد مرّت بمحن وأزمات وكبوات مختلفة , لكنّ الإرادة الوطنية والصلبة لهذه الشعوب وتحمّلها الصعاب قد خفف كثيرا من تبعات هذه المحن والأزمات والكبوات , ومحنة العراقيين اليوم هي في هذه الأحزاب التي سيطرت على مقاليد الأمور في العراق بأسم الإسلام , وهي في الحقيقة أقرب للعصابات المافيوية منها إلى الأحزاب السياسية , فأحزاب الإسلام السياسي في العراق لم تقدّم للعراقيين سوى برامج الفساد والتزوير والنهب المنّظم للمال العام والثراء على حساب الشعب المنهك والمتعب من الديكتاتورية التي حكمته لخمس وثلاثون عاما , وهذا الكلام ليس موّجها لحزب سياسي دون آخر أو لمذهب دون آخر , فأحزاب الإسلام السياسي برّمتها الشيعية منها والسنّية , فاسدة ولصوصية بامتياز , وجميعها تشترك بصفات الكذب والخداع والنفاق والفساد ونهبها للمال العام .
والكرة الآن في ملعب الشعب العراقي , فهو الوحيد القادر على إجراء التغيير , وهو الوحيد القادر على إزاحة هذه الطغمة اللصوصية الفاسدة والمنافقة , من خلال رفضهم وعدم إعادة انتخاب كتلهم وأحزابهم الفاسدة , وأعتقد جازما أنّ تجربة العشر سنوات الماضية كافية لاستلهام الدروس والعبر من هذه التجربة المأساوية , فليس من المعقول أن يدرك الآخرون أسباب معاناتنا ومسبباتها , ونحن لم نشّخص هذه الأسباب حتى هذه اللحظة , وما نشرته صحيفة الديلي ميل البريطانية في تقرير لها بأنّ مجلس النوّاب العراقي هو أفسد مؤسسة في التأريخ , هو الحقيقة بعينها , فهل من المعقول أنّ الشعب العراقي سيعيد انتخاب أحزاب هذه المؤسسة الفاسدة ؟ .
أنا واثق أنّ الشعب العراقي يدرك تماما الخطأ التاريخي الذي وقع فيه بانجراره وراء شعارات هذه الأحزاب الكاذبة والمخادعة , وواثق أيضا إنّه سيذهب هذه المرّة للانتخابات من أجل التغيير والثورة على الفساد والتخلف والطائفية المقيتة , ولا بديل عن التغيير , فالتحالف الذي ادّعى أنّه وطنيا أثبت بالأدلة والبراهين أنّه تحالفا لصوصيا وبعيد كل البعد عن الوطنية , وعودة هذا التحالف لا سامح الله للحكم من جديد , هو انتحار للشعب العراقي وليس انتخاب , والشعب الذي يعيد انتخاب اللصوص هو شعب ميت ولا يستحق الحياة .