قضاء وقدر وسنن:
ليست الخليقة عشوائية بل هي في قضاء محتوم كحركة الكواكب والمجرات وما نراه في الطبيعة من بعض صفاتها، وهو قدر مقدورا من الأرزاق والأقوات للناس وتدار حركته بسنن الكون التي إن اتبعت فهي من فضل الله على عباده إن سخرها لهم، وان لم تتبع فالسوء من الإنسان نفسه على نفسه، ومن فهم سنن الكون وأدارها سار في الحياة ناجحا كمنظومة آدمية؛ ومن لم يفهمها ظلم نفسه عندما لم يفعّل منظومته العقلية لفهم الصواب فزل كما زل آدم، ولا علاقة في الأمر لمعتقد أو دين.
كيد الشطط:
الشطط هو الخروج عن الصواب ومن يخرج عن الصواب فهو شيطان، من اجل هذا سمي إبليس بالشيطان، فليس الشيطان هو إبليس وإنما إبليس هو شيطان كذلك كل من خرج عن جادة الصواب، ليس له من تأثير على النفوس إلا بقناعاتها، ولا يحدث الضرر بها إلا من خلال استجابتها للإغراءات وظن ان الصالح عند الطواغيت في الشطط والطاغوت قد يكون هوى النفس المتبع أو قناعات نظنها هي الصلاح، فالشطط لا تسوله النفس على انه امر سيء، فلم يقل إبليس لادم انه سيخالف الله إن اكل من الشجرة، بل قال له إن لك فيها الخلود وملك لا يبلى، فاضر آدم بنفسه وزوجه عندما اقتنع بهذا القول ونسي انه يحدث مخلوقا حقودا حسودا طاغ في الأنانية، فاتاه من الأنا التي يدرك هو كيف تكون نقطة الضعف، وأثار غريزتي التملك والبقاء بالخلود ثم لتاتي غريزة النوع وهكذا كان آدم وكان الامتحان لكل ذريته لمنظومة عقلية هي ميزة آدم على الخلق بالإبداع وان لديه القدرة على الاختيار وضبط النفس والسيطرة على ذاته وهو مبدع بنّاء ومن شط فمخرب شيطان انس.
قل هو من عند أنفسكم:
يتعذر البعض عن الخطأ بانها انزلاقه بدفع إبليس في اعتقاده، لكن حقيقة الأمر أنها شطط نفسه وذاته، فاتباع الأهواء ورغبات النفس من خلال الغرائز وليس المعالجة العقلية هو الشطط بحد ذاته، فالغرائز تستعمر منظومة العقل ما لم تدرس الأمور وتقاس وفق القيم، والا فكلما صدرت نزوة من احد أو رغبة او أي شيء مهما كان عمقه ثم نفذ دون مراعاة للقيم الأخلاقية والمجتمعية التي تتجاوزها ثورة الغريزة، فان بيوتا تخرب ومصانع تتوقف، وحروب بلا معنى تغرق البشرية وهو ما يحصل فعلا، هكذا يكون الشطط ويكون الإنسان شيطانا لان ما حركه هو الأنا والغرائز وأدار بمنظومة عقلية مكلفة بالبناء للحرث والنسل فجعلها مدمرة للحرث والنسل.
واقعنا اليوم:
ما نراه من فوضى ليس إلا إفساد في الأرض، وقد يقول قائل إن هذا رقي في العلم والتطور التقني أعطى التمكين للقوي، لكننا رأينا سرعة تفكك الأواصر وما بدى انه متماسك، ما يحصل هو إبداع المنظومة العقلية لكن بقيادة الهوى والشطط، فقيميا ليس إلا تحوير لعقلية النياندرتال في التعامل مع الحياة، فيبدو الشطط وديعا في مجتمعه لكنه مدمرا لغيره وهذا ليس رقيا وإنما انحرافا بمهام المنظومة العقلية.
لكن الحضيض ليس بالظلم وإنما بالاعتقاد أن الظلم يبقى مهيمنا وان كيده قويا مترابطا، فالظلمة هي ظلام التفكير الذي يوحي ألاّ نورا قادم وأن الظلام دائم وان النور لن يولد مع بزوغ آخر لشمس الحقيقة فذا من سنن الكون وكل ما علينا السعي للفرصة صناعة وليس انتظارا، فتمام عقم الإصلاح هو الانتظار.
ما المطلوب:
المطلوب هو الإصلاح الفكري قبل مناقشة السلوك المنحرف والتصرف السلبي، فليس من الفهم أن أرى نفسي حكما على الآخرين، وليس من الصواب وانا مصلح أن أرى في كلماتي دعوة للكراهية من اجل الرعوية وباسم المحبة والتميز بها، فواجب المصلح والإنسان عموما البحث عن الصواب وليس أن يثبت انه الأفضل وان ما يعتقد هو الصواب وكل الشر فيما عداه، فهذا لب من حقيقة الشطط التي تقودها شياطين بلبوس القيم، ودعوات باسم الديانات المتعددة في الأرض، والفوضى في زي الاستقرار فهم كمن يقول للناس “جئتكم بالخلود وملك لا يبلى”، ولكن واقع الأمر أننا نرى كل ما عكس ذلك فهو إفساد يحتاج مراجعة وإصلاح وتوبة كتوبة آدم التي علمه الله كلماتها وكل كلمات التوبة صحيحة إن فهمنا معناها واردنا أن نبني ونعمر في الأرض ونقيم السلالة فهي ملك الإنسان في الدنيا وهي لهذا المالك امتحان.
الآدمية مطلوبة:
عندما نستخدم منظومتنا العقلية في الشر فإننا نرى ما نرى، لكن المطلوب أن نستعيد انفسنا ليس ملائكة بلا أخطاء كما يتصور البعض في المصلحين، بل إنسان ممكن أن يخطئ ويصيب لهذا العمل الجماعي مهم والتعارف مهم بين كل الناس باختلاف وتنوع عقائدهم، لكن من اجل هدف ليس رفض الآخر وإنما كيف ننجح كمنظومة يعلم صانعها أنها ليست تفسد فقط وإنما ممكن أن تكون أداة إصلاح وبناء، ضعفنا حقيقة متى التجانا لغرائزنا وأهوائنا، ولكننا اقويا ءان نظمت هذه الغرائز والحاجات نتفاعل نتسامح مع تصويب التطلعات؛ لا نكون عدميين عندما يخطئ مصلح نهدم كل ما بناه، فالكمال لله وحده شيطان انس من ادعاه .