يطلق مصطلح الشاطر خطأ ً في هذا الزمان على من يتمتع بالذكاء والمهارة، ولكن للشطارة معنى آخر سنأتي الى ذكره لاحقاً عند ذكر الحادثة التالية. عقد في 24 تشرين ثاني من هذا العام في العراق وقبيل شهر محرم الحرام مؤتمراً لما يسمى بالمبلغين والمبلغات على نفقة مؤسسة شهيد المحراب التابع للمجلس الأعلى الأسلامي العراقي. وقد تكلم فية وكلاء بعض المراجع مثل النجفي والفياض وكان كلامهم فيه أنتقاد للحكومة بأنها لا تنظر الى حاجات الشعب مع كثرة السراق والفاسدين من المسؤلين، مع العلم أن جلهم من المنتمين الى الأحزاب التي يدعمونها، ولو أن هذا الكلام يعرفه الشعب منذ تسع سنوات وليس فيه جديد. وقد أستبشرالسامع خيراً بهذا الأنتقاد لأن مرجعية النجف لها تأثير كبير على الساسة في الأحزاب الدينية. ولكن نتعجب لماذا لم تثبت المرجعية صدقها بهذا الشأن وتسحب الثقة من هؤلاء الحكام الفاسدين الجدد وأزاحتهم وأستبدالهم بأناس أسوياء، لأن المرجعية هي من أتت بهم أولاً. وبما أن المرجعية لم تقم بذلك فأن السامع قد يستنتج أن عدم رضا المرجعية ما هو الا لأمتصاص نقمة الناس على هؤلاء الفاسدين وأحزابهم التي ترعاها. فهل يعقل أن المرجعية تعرف أن هؤلاء المسؤلين فاسدين وسراق للمال العام والخاص ولكنها تتقبل الخمس منهم؟ أما أن كان هؤلاء المسؤلون لا يؤدون الخمس فأنهم بالتأكيد خارجون عن طاعة المرجعية ويجب أن تسحب الثقة عنهم. ولكن المرجعية بالرغم من أنتقادها لهؤلاء السراق والفاسدين فهي لاتزال تتقبل الخمس منهم وتجالسهم. هذا الأستنتاج ليس أختراع مني بل هو ما أكده صدر الدين القبانجي، أحد وكلاء المرجعية وأمام جمعة النجف (أنظر المصدر 1)، في نفس المؤتمر المذكورأعلاه. وبذلك صادر القبانجي الفرحة التي انتابتنا من خطاب وكلاء المراجع في ذلك المؤتمر وجعلنا نشك بصدقهم. صدر الدين القبانجي، الذي يعتمر العمامة السوداء، يعقد الكثير من مجالس الوعظ لأتباع المرجعية ويفسر لهم القرآن بطريقة هزلية، فمثلا في أحدى المرات فسر الآية 37 من سورة آل عمران لكفالة زكريا لمريم عليها السلام فقال “أرادوا أن يجدوا كفيلاً لهاي البنيه (أي البنت) فأجريت قرعة وخرج في القرعة زكرييييا”.
ولكن كيف أكد القبانجي الأستنتاج أعلاه؟ أليكم الرواية التي رواها القبانجي والعهدة على الراوي. يروي القبانجي في المؤتمر ناصحاً الملالي والملايات الحاضرين بكيفية التصرف وجمع أموال الخمس والصدقات، ويقص عليهم كذبة كبيرة، لابد أنه أستلها من مصادره الموثوقة، فيقول: جاء جماعة الى جعفر الصادق عليه السلام يشتكون من وكيله في الكوفة المفضل بن عمر، ويؤكد أنه كان من الرواة الموثوقين (أنظر المصدر 2)، فقالوا له: أن المفضل يجتمع مع الشطار والحمائميين ويصاحبهم ويجالسهم. ويفسر القبانجي الشطار بأنهم شاربي الخمور وفاعلي المحرمات، أما الحمائميون فيقول هم الذين يتعاملون مع الطيور والحمائم أي المطيرجية باللهجة العراقية – والحقيقة أن لفظة الشطار شاعت في العراق في العصر العباسي كناية عن السراق والخبثاء والشقاوات (أنظر المصدر 3). ويستمر القبانجي بالقول: فكتب جعفر الصادق كتاباً الى المفضل وغلفه وأعطاه الى هؤلاء الجماعة. فلما وردوا الكوفة دفعوا بالكتاب الى المفضل، ففتحه أمامهم وقرأ عليهم الآتي “أن الأمام بحاجة الى مبلغ من المال”. ويقول القبانجي: وأنه نتيجة لفطنة وذكاء المفضل فقد عرف القصد من رسالة الصادق فقال لحاملي الرسالة أذهبوا الى فلان وفلان وفلان من الشطار والحمائميين وقولوا لهم أن الأمام بحاجة الى مال. فذهبوا ثم جاؤا بكمية كبيرة من المال. فقال المفضل لجماعته: كيف تريدوني أن أترك مجالسة هؤلاء وهم يسارعون الى دفع المال للأمام؟ فسكتوا ولم يشكوه الى الصادق بعد ذلك. أنتهت رواية القبانجي المكذوبة على الصادق. والآن ما هي العبر من هذه الرواية؟ أولاً يخبرنا القبانجي أن مجالسة الخبثاء والفاسدين والسراق والمطيرجية ليس حراما بل هو واجب حسب شريعة القبانجي والمرجعية، والدليل هو محدثه الجليل المفضل بن عمر. ثانياً أنه يصح جمع الأموال للمرجعية من خمس وصدقات وزكاة من السراق وأراذل المجتمع، وثالثاً أن الصادق لما كتب الكتاب فأنه يعلم أن المفضل سيطلب المال من هؤلاء الشذاذ فأراد أن يفحم ويسكت المشتكين الذين جاؤا له. ولذلك فأن القبانجي يبلغ رسالة واضحة من المرجعية الى كل من يشتكي من ظلم الخبثاء والسراق أن أسكتوا فهؤلاء هم الذين يعطون المال للمرجعية، الا بئسها من وصية في شهرالله الحرام. ومن حديث القبانجي نستنتج أن المرجعية بكل وضوح تطلب جمع المال من السراق والفاسدين، فلا بأس ان يكونوا سراقاً وخبثاء ومطيرجية ما داموا يدفعون الأموال والخمس؟ ولذلك فأن كلام النقد عن الأموال المسروقة الذي وجهه وكلاء المرجعية وخطابات المرجعية للحكومة أصبح لا معنى له حسب نص هذا الحديث الذي رووه بهتاناً عن الصادق.
وفي نفس الخطبة يوجه القبانجي كلامه الى الملالي والملايات أن يبذلوا قصارى جهدهم لكسب المزيد من الطلاب للحوزة ويقول: أن المرجعية تريد 5 آلاف طالب حوزة جدد خلال الأعوام الخمسة القادمة (أي بمعدل الف شخص سنويا) لنشرهم في دول المنطقة. لماذا يريد هذا العدد؟ أكيد لجباية الأموال للمرجعية. أي أن القبانجي لم يكفه الاف الملالي ممن حضروا وممن لم يحضروا المؤتمر في جمع الأموال والخمس والحقوق الشرعية من الحرامية وغيرهم بل يريد المزيد. فهو بكل صراحة يدعو المبلغين وطلاب الحوزة للتعامل مع ومصادقة الحرامية والفاسدين. وللقارىء أن يتصور كم سيجالس هؤلاء الخمسة آلاف معمم من الفاسدين وكم هي الأموال التي ستجمع منهم. ولهذا لا نتعجب أن المرجعية زعلانة على الحكام الذين نصبوهم ولكنها تأخذ خمس ما رزقهم به الشيطان، ثم كل شيء يصبح بعد ذلك حلالا، لأن الصادق – والصادق براء من هذا- كان حسب زعمهم يتقبل مثل هذه الأموال من ساقطي المجتمع. وهذا يوكد ماجاء في مقالي السابق في موقع كتابات والمعنون “أحذروا الرأسمالية الدينية قبل أن يقع الفأس بالرأس” بالرابط التالي http://www.kitabat.com/index.php?mod=page&num=281&lng=ar
بأن المراجع يأخذون الخمس حتى على المال المسروق، ولا يسألون من أين جاء ذلك المال أن كان من الأعمال الحرام أو منهوباً، وأن المال المسروق يكون حلالا أذا ما خمّس.
ونحن في هذه الأيام وفي ذكرى أستشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما، يكتب بعض الكتاب الكرام عن ضرورة أزالة الشوائب التي دخلت على قصة أستشهاد الحسين وضرورة منع الناس من الللطم والضرب بالزنجيل وتطبير الرؤس حتى للأطفال، حيث نهى الحسين أهله عن لطم الخدود وشق الجيوب فكيف بتطبير رؤس الأطفال. ولكن المرجعية تسمع وترى ما يحدث من بدع في هذه المناسبة وهي راضية ، بل وتدعوا اليها وتدعمها كما في مواكب الزنجيل والتطبير التي يرعاها المجلس الأعلى الأسلامي ، وتنقلها كل يوم وبكل فخر في قنواتها التلفزيونية، فأي طلب خجول يطلبه الكتاب بمنع الشوائب في الوقت الذي تعتبرها المرجعية من شعائر الأسلام. أنهم يستخدمون مأساة الحسين لمصالحهم الخاصة، لأنها أفضل وسيلة لجذب عامة الناس اليهم. ولكن القبانجي ليس من عامة الناس بل هو خطيب جمعة ومحاضر ويحمل لقب آية الله ووكيل للمراجع، فبالتأكيد هو ينقل عن مصادر موثوقة لدى المرجعية، ومع ذلك فهو ينقل العجب العجاب الذي لا يصدقه العقل بأن أئمة الهدى يتقبلون الأموال من الخبثاء والفاسدين والسراق، ويرى ضرورة مجالسة هؤلاء وصحبتهم كما فعل المفضل بن عمر، ولله في خلقه شؤون. الم يسمع القبانجي والمراجع أن من جالس القوم أربعين يوماً صار منهم؟ اليس الأولى بتنقية المرجعية وعلمائها ومصادرها وكتبها من الشوائب بل من البدع قبل تنقية عقول عامة الناس من الشوائب ؟ ولكن لا حياة لمن تنادي.
—————————–
المصادر:
[1] القبانجي هو صدر الدين حسن طباطبائي التبريزي ولد سنة 1956م. تخرج من حوزة النجف وأساتذته محمد الحكيم وبشير النجفي والحائري ويحمل لقب حجة الأسلام. عاد الى العراق سنة 2003م. كان وكيلا لمحمد باقر الحكيم الذي قتل في النجف والذي أنابه لأمامة جمعة النجف ولحد الآن، وأصبح معتمدا لآية الله مرزا جواد التبريزي سنة 2005م (السيرة الذاتية للقبانجي من موقعه).
[2] حسب موقع مركز آل البيت العالمي في النجف: أن المفضل بن عمر الجعفي ولد في أواخر القرن الأول الهجري ، بمدينة الكوفة و كان من التلامذة المميزين عند الإمام الصادق والإمام الكاظم والإمام الرضا. وروى المفضل كثيراً من الروايات عن الإمام جعفر الصادق والإمام موسى الكاظم، ويعتبر من الرواة الموثقين الكبار، وكانت له منزلة عظيمة عندهما، كما كان ينوب عنهما في استلام الحقوق الشرعية وصرفها في مورادها. توفي المفضل بن عمر بعد أن ناهز الثمانين عاماً، ولما نعي المفضل عند الإمام الرضا قال : لقد نال المفضل الرَوحَ والراحة.
[3] في القاموس المحيط: “الشاطرُ هو من أعيا أهله خُبثاً”، وفي لسان العرب لابن المنظور ” قيل له شاطرلأنه تباعد عن الإستواء” وفي المعجم الوسيط: “الشاطر هو الخبيث الفاجر”. ولكن بمرور الزمن تغير معنى الشطارة الى الذكاء وعلى من يتوقّد ذكاءً وفطنةً ومهارةً.