23 ديسمبر، 2024 2:59 م

“الشريك الناصح”…..(60) «كل الدفع بالحوض»

“الشريك الناصح”…..(60) «كل الدفع بالحوض»

يتميز العراقيون دون غيرهم باطلاق التسميات والالقاب والامثال على كل شىء يصادفهم أويكون تحت انظارهم، ولايترددون عن اطلاق تلك الالقاب عن أي شخصية تتقاطع معهم مهما كان وزنها.

فالالقاب التي اطلقت على الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية كثيرة لامجال لذكرها هنا من باب”وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ”، وهو بحد ذاته سلاح شائن وسيء تستخدمه بعض الشخصيات الهابطة لتسقيط الخصوم، وللأسف الشديد لوحظ بروز هذه الظاهرة في الأفق أثناء فترة التثقيف والدعايات الانتخابية التشريعية المنصرمة، فانتشرت رائحتها للحد الذي زكمت منها الأنوف وخدش الذوق العام.

أما الأشياء الاخرى من مختلف الآليات والأدوات التي استخدمت من قبل الإنسان العراقي لها نصيب من تلك الالقاب، فصار لها تراث وثقافة يحترمها التأريخ، ولم يبق شيء في العراق إلا وله اسم رديف أو لقب يشتهر به، وقد يطغى هذا اللقب على الاسم الحقيقي، فعلى سبيل المثال ومن خلال فتح كوة صغيرة لنطل من خلالها على ثقافة الشارع العراقي لإتحاف المقال ولإستشعار القاريء الكريم بمدى حيوية هذا الشعب المعطاء وبمدى الحفاظ على تراثه الشعبي الواسع وديمومته، وعلى أن هذا الشعب مازال حيا من خلال تفاعله مع الأشياء المسخرة لخدمته وتدليعها في أصعب واحلك الظروف التي مر بها، لذا سموا بعض السيارات: ب”رأس الثور، والخروف، والدب، والبطة، والقردة، والأرنب، والفلاونزا، ومن طريف ماسميت به احدى سيارات الدوج الأمريكية القديمة المستعملة في العراق،ب”دوج أبو عليوي”، أما “الستوتة هو اللقب الشائع الذي اشتهرت به الدراجة النارية ذات الإطارات الثلاثة، والستوتة لها دور كبير بنقل الناس وحاجياتهم في الأماكن المكتظة والأماكن المقدسة التي تشتهر بكثرة القطوع كما هو الحال في كربلاء والكاظمية والنجف، حيث تقوم بنقل الزوار من والى مناطق القطوع”.

كما وسميت بعض البيوت ب”دبل فاليوم، وحواسم، والتنك، والطين”، وسميت بعض الهواتف النقالة ب”الصرصور، والطابوكة، والدبدوب، والفراشة، والملك”، وكذلك أن بعضا من الأمراض والأدوية نالت نصيبها من تلك الالقاب فسمي مرض التدرن الرئوي ب”النهيمة، ومرض الخناق بالحريشي” وهكذا.

أما المصطلحات السياسية هي الاخرى أيضا لم تستطيع أن تنأى بنفسها عن تلك الالقاب بسبب التخرصات التي فرضتها على الأرضية والوسط التي استخدمت فيه كآلية سياسية عند التطبيق، وبسبب تفاقم المشاهد المضطربة التي كانت تحدث في البرلمان.

فمثلا لقبت الديموقراطية بالتوافقية كمصطلح ملائم لمرحلة الديموقراطية في الشراكة السياسية، فصار هذا الاسم غطاءا لالقابها التي حازت عليها بجدارة من خلال التطبيق مثل: ” الديموقراطية المشوهة، و العرجاء، و العضباء، والعوراء، لأنها لم توفق بالحفاظ على مصطلح التوافقية من خلال التطبيق العملي في المشهد السياسي”، ولأن الشركاء الذين أقحموها في خيمة الشراكة هم من ارادوا لها أن تكون على ذاك المآل من أجل عرقلة وافشال العملية السياسية التي لم يكن لهم بأس فيها، وكل ماكانوا يريدونه أن يكون لهم دور مهم وبأس شديد خارج الاستحقاقات الطبيعية والتشريعية، ولكي يظهروا امام الناس على انهم ظلموا وهمشوا في سبيل مواطنيهم عند المطالبة بتحقيق تطلعاتهم كذبا وزورا، وهم في حقيقة الأمر كانوا يبتغوا الشغب وتحقيق المصالح الذاتية لأنفسهم، فإن كانوا صادقين فيما يدعون فليقسموا على فقراء ومعوزي أبناء جلدتهم رواتبهم وأمتيازاتهم ومكاسبهم وكل مايملكون، ولم ولن يفعلوا ذلك.

والمعروف عن الديموقراطية على أنها حكم الشعب للشعب، وأسلوب يؤخذ من خلاله برأي الأغلبية واحترام رأي الأقلية، والايمان بالآخر وبالتعددية، ومن خلالها يسعى إلى تسوية النزاعات من خلال اعتماد الحوار الحر بين الأطراف المتنازعة بطريقة حضارية وانسانية متطورة، وهذا ماحصل بالعكس تماما.

ومن الجدير بالذكر أن الآليات السياسية هذه دخلت العراق بقالب جاهز جاءته من الدول المتحضرة والمتطورة، والتي عانت ما عانت من ويلات وصراعات وحروب أهلية ونزاعات سياسية ومجتمعية وفكرية حتى توصلت لتلك الاطر التي بواسطتها استطاعوا أن ينظموا عملياتهم السياسية ويطوروا أنظمة حكمهم، فتوصلوا إلى المثالية في جميع المجالات، فتميزت تلك الدول على انها استعانت بالديموقراطية فأستفادت منها إيما فائدة، إلا في العراق، فالأمر فيه مختلف تماما بسبب التركيبة الاجتماعية والسياسية والعرفية والدينية والمختلفة عن بقية تلك الدول.

فعندما تكون الديموقراطية مشبوهة أو عرجاء أو عوراء، فذلك ينسحب على جميع سنخها المنبثقة منها وبدرجة تتناسب طرديا مع حجم الخلل الذي طرأ عليها في العراق.

أما الشراكة الوطنية هي الاخرى التي حازت على لقب المحاصصة كما هو مشهورا، ذلك لأنها أحفقت كآلية سياسية في التعاضد مع الحكومة، فحولتها من حكومة شراكة وطنية إلى حكومة محاصصة عاجزة عن أداء أعمالها تجاه الوطن والمواطن بشكل صحيح، فصارت الشراكة بالنسبة للحكومة كالعظم الذي لم يستمرأه البلعوم.

المريب في القضية أن معظم الشركاء الذين دخلوا مع الحكومة بعنوان الشراكة الوطنية، كانوا من أشد أعداء الديموقراطية عندما وضعوا يد مع الحكومة واخرى مع الارهاب والفساد، وهذا الأمر سينسحب بكل تأكيد على أداء الحكومة، وانها وفي هذه الحالة ستترآى امام السذج من الناس على انها حكومة فاشلة، ولو أن الحال لو استمر على هذه الشاكلة مع الحكومة القادمة فإن هذه الرؤيا ستبقى ثابتة وراسخة ومستمرة بنفس الصورة، وأن الضرر لاينحصر في الحكومة نفسها فحسب بل ينسحب إلى جميع مؤسسات الدولة وطبقات الشعب ومكوناتهم بدون استثناء وهذا هو المخطط الذي أدخر للعراق بموجب الأجندات الخارجية الموظفة لتقزيم العراق وضرب وحدته بيد أبنائه.

هذا وبعد انجاز الانتخابات على النحو الذي لم يشهد له مثيل، خرجنا بنتائج طيبة سوف تكون شاهدا ورادعا على إدعاءات المتأزمين والمتخرصين، كما وفي الوقت نفسه كان هذا الكرنفال حرب حقيقية بين العراقيين والأرهاب راح ضحيتها ثلة من أبناء القوات المسلحة عندما وهبوا أنفسهم كشهداء رضوان الله عليهم، من أجل تخليص المراكز الانتخابية من العمليات الإرهابية والتفجير، ومن أجل انجاح هذا العرس العراقي.

وفي هذه المرحلة الحاسمة والحساسة، فإن جميع عيون العراقيين والناخبين منهم خاصة الذين جازفوا بحياتهم وذهبوا إلى صناديق الاقتراع، عيونهم ترقب وترجوا وتدعوا “اَللّـهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة تُعِزُّ بِهَا الاِْسْلامَ وَاَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ اِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ اِلى سَبيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ”، وتتمنى أن يتوافق الخصمان-الحليفان، “دولة القانون” و”المواطن” لتشكيل الحكومة القادمة، بالاعتماد على المحصلة التي بانت نتائجها بالمؤشرات الأولية على انهما حققا ارقاما محترمة في مقاعد البرلمان اللاحق.

ويقينا أن استراتيجية “المواطن” التي ترى “أن الوحدة الوطنية هي جزء رئيس من محاربة الارهاب، والقضاء على الفساد، وبناء الوطن، وصناعة المواطن كإنسان” وهذا ماعهدناه فيها، ليس الآن فحسب بل عهد فيها في فترة المعارضة ومن خلال الكم الهائل من الشهداء والتضحيات التي بذلتها عند مقارعة النظام الساقط.

وبهذا ووفق هذه المعطيات فان العدد الجديد التي حصلت عليه “المواطن” من مقاعد البرلمان بفضل تكتيكاتها عبر استراتيجياتها المرموقة هو رقما صعبا وعنوانا مشرفا بامكانه أن يقلب جميع الموازين في العملية السياسية الجارية في العراق، وينتشلها من المستنقع الذي وقعت فيه، وأملنا كبير في أن يوظف هذا الانتصار لخدمة المواطن العراقي وتخليصه من الواقع المرير المعاش خلال السنين العجاف من عمر ديموقراطية العراق، والدخول بتحالفات وطينة مع دولة القانون والقوائم الوطنية الاخرى التي تهتم بالمواطن العراقي وتجعله كقيمة عليا ضمن مجتمع عراقي حضاري متمدن من خلال الاسراع بتشكيل الحكومة القادمة، ولأن “المواطن” ستكون لاعبا أساسيا في الساحة الوطنية وعاملا محوريا لايمكن لأي حكومة قادمة أن تشكل نفسها بدونه، ومهما يكن من اختلاف في الرؤى والبرامج والاستراتيجيات بالنتيجة فالحصيلة النهائية ستكون في مصلحة الوطن والوحدة الوطنية وفي مصلحة المواطن بالذات مما سيشهد له التأريخ، وفي النهاية سيكون كما يقول المثل”كل الدفع بالحوض”، هذا، و”عفا الله عما سلف” .

والله ولي التوفيق و”إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين”.