بعد أن هيمنت شركات النفط الأجنبية على معظم حقول النفط العراقية من خلال جولات التراخيص سيئة السمعة، تمكنت بالتعاون مع جهات حكومية عراقية، من أزاحة الشركات الوطنية المنافسة لها وهي في ذروة نشاطها
وكانت شركة الحفر العراقية الضحية الأخيرة في سلسلة تدمير الشركات الوطنية، فقد تعرضت الشركة مؤخراً للأقصاء من قبل مجلس الوزراء ووزارة النفط وجرى ذلك بعد موافقة مجلس الوزراء في جلستة المنعقدة بتاريخ 23/مارس/2021 على منح عقد بقيمة مايقارب النصف مليار دولار لشركة شلمبرجر الأمريكية لحفر 96 بئراً نفطياً في جنوب العراق، متجاهلين شركة الحفر العراقية التي تتمتع بألأمكانيات والكفاءات عالية المستوى . الأمر الذي دفع المئات من موظفي الشركة للخروج بتظاهرات،الأسبوع الماضي، منددين فيها سياسة التهميش التي انتهجها مجلس الوزراء ووزارة النفط ضد الشركة، السياسة التي أدت إلى أيقاف (35) جهاز حفر من أصل (43) جهازاً .
شركة الحفر العراقية أحدى تشكيلات وزارة النفط وهي شركة وطنية عامة تأسست عام 1990 لأجراء عمليات الحفر والأستصلاح في كافة أنحاء العراق. للشركة ثلاث فروع (الوسط/بغداد ، الجنوب/البصرة والشمال/ كركوك) ويتجاوز عدد منتسبيها 8600 موظف، وتمتلك أسطولاً كبيراً من أجهزة الحفر (43) جهازاً وأكثرها أجهزة حديثة الصنع، وقد حصلت الشركة على شهادات عالمية في أدارة الجودة الشاملة (أنظمة إدارة الجودة والبيئة والصحة والسلامة المهنية)، وقد أنجزت خلال مسيرتها حفر (653) بئراً وأستصلاح ( 1677) آخر.
وتواصل حكومات العراق الجديد في أنجاز مشروع هيكلة الشركات الوطنية وحرمان البلد من مشاريع الأنتاج الوطني سواء كان زراعي أم صناعي، فقد بلغت المعامل المتوقفة في الشركات العامة، بحسب إعلام وزراة الصناعة، (87) معملاً، بينما بلغت المشاريع الصناعية المتوقفة (18187) مشروعاً للشركات الخاسرة .
وتجاهلت حكومة الكاظمي، كما فعلت الحكومات السابقة، المخاطر الأقتصادية الكبيرة التي يسببها غياب الأنتاج المحلي، مثل نقص السيولة وأرتفاع معدلات البطالة وضعف القدرة الشرائية، ومضت في تطبيق سياسة صندوق النقد الدولي، التي تسببت بأفلاس بلدان كثيرة، ويمكن أجمال تلك السياسة:
أولاً: خفض قيمة العملة الوطنية أما الدولار الأمريكي.
ثانياً: زيادة الضرائب والرسوم على الدخل.
ثالثاً: ألغاء الدعم الحكومي عن السلع والخدمات.
رابعاً: بيع شركات القطاع العام للقطاع الخاص.
خامساً: تخفيض العمالة في القطاع العام وأيقاف التعيينات. سادساً: ألغاء الدعم عن الغذاء والمحروقات ..
وسجل العراق الذي يعتمد اقتصاده، بشكل شبه كلي، على واردات النفط، أرقاماً قياسية في معدلات الفقر والبطالة فبحسب بيانات وزارة التخطيط التي أعلنتها في يوليو/تموز الماضي، فإن نسبة الفقر في العراق قد بلغت 31.7% بينما بلغ معدل البطالة 20% بين صفوف الشباب، ومن المرجح أن ترتفع النسب إلى الضعف في السنوات القليلة القادمة أذاما أستمرت الحكومات العراقية في حشر البلد بين أنياب المفترس صندوق النقد الدولي .
وبالعودة إلى عقد شركة شلمبرجر المثير للجدل ، هناك علامات أستفهام كبيرة تطرح حول هذا العقد :
العراق ليس بحاجة إلى التعاقد مع شركات أجنبية لحفر المزيد من الآبار لأن هناك العديد من الآآبار المحفورة وجاهزة للأنتاج لكنها غير مستخدمة حتى الآن ، وفي حال كان الهدف من هذا العقد هو زيادة الأنتاج فالعراق غير قادر على ذلك لأنه مرتبط بمنظمة أوبك التي تحدد سقف أنتاجه، وهذا ما أكده وزير النفط السيد أحسان عبدالجبار في لقاء متلفز له مع قناة العراقية الرسمية بتاريخ 23/8/2020 حيث قال “لدينا وفرة في قطاع الأستخراج وقدرتنا الأنتاجية أكثر من 5 مليون برميل في اليوم، لكن محددات الأنتاج من قبل منظمة أوبك 3.6 مليون برميل في اليوم ” . وهنا يبرز السؤال : ما الهدف الحقيقي وراء منح الحكومة العراقية عقداً بقيمة نصف مليار دولار لشركة أمريكية لحفر المزيد من الآبار ؟ سيما وأن العقد تسليم مفتاح وهذا يعني عدم أستفادة العراق من ناحية تبادل الخبرات أو توفير فرص عمل أضافية للعراقيين !
وهنا تبرز أهمية وجود أحزاب وطنية ونقابات عمالية فعالة لممارسة الضغط على الحكومات لمنعها من أبرام هكذا عقود، مضرة بالأقتصاد العراقي ، ودفها لأجراء مراجعة تصحيحية شاملة على عقود جولات التراخيص للحد من أحتكار الشركات الأجنبية لعميلات الحفر والتنقيب والعمليات الأخرى، وتقليص الأمتيازات الفاحشة التي منحت لها، ودعم الشركات الوطنية وتمكينها، بدلاً من هيكلتها وتسريح موظفيها .