27 ديسمبر، 2024 4:10 ص

الشرق اوسطية، سايكس بيكو القرن الواحد والعشرين هل سنبقى أمة؟

الشرق اوسطية، سايكس بيكو القرن الواحد والعشرين هل سنبقى أمة؟

تواجه الامة العربية حملات جبارة سياسية واقتصادية وثقافية.. لها تأثيرها المدمر على سيادة واستقلال الوطن العربي وبنيانه الاجتماعي وكيانه الحضاري، وهي اكبر جدل وتحد يواجهان الحضارة العربية في تاريخها الحديث، وستستمر الحملات الهدامة باشكال مختلفة عسكرياً واقتصادياً وثقافياً. وهذه الحملات غايتها الاستحواذ على خيرات الارض العربية والاسلامية عموماً، وهدفها الاول والاخير جوهر وجودنا الانساني، نعني ماهيتنا الفكرية والسلوكية وهويتنا العقائدية كأمة عربية، وان حروب الغرب الموجهة الينا بكل تلاوينها هي في نهاية المطاف حروب على العرب والمسلمين، اين ما كانوا، والا فمن اين جاء (آلبيه كاري) بخرافة (الاسلام خطر على الغرب) ومثله صموئيل هنتنغتون بنظرية (صراع الحضارات)، يضاف اليهما فوكوياما بنظرية (نهاية التاريخ)، ثم من اين ابتدع الغرب الذي تتغلغل الصهيونية في صلب نظامه السياسي العالمي (اسلاماً اصولياً ارهابياً) وفرض على جميع الاقطار العربية مقاومته بشدة.

الأشد غرابة في هذا الموضوع بالذات، ان الرؤوس المفكرة التي تقود وتنظم المد الاصولي في الوطن العربي والتي من المفترض ان تكون العدو اللدود للغرب، نجدها تلتجئ اليه وتتحصن داخل اسواره المنيعة وكأني بها سلاح يستخدم ضد الامة لشل تقدمها اكثر منه اي شي آخر، فيما هو، اي الغرب يجاهد لتوفير حقوق الانسان وحماية الاقليات ويدافع عن حرية الشعوب، نجده لا يعير اي اهتمام للشعوب العربية وكأن العرب ليسوا من هؤلاء، وتالياً لا يحق لهم ان يدافعوا عن ارضهم وحضارتهم ومعتقداتهم وكرامتهم وانسانيتهم وبالاخص لا يحق لهم ان يجادلوا ثقافياً في الغزوات الايديولوجية للرأسمالية الصهيونية ولا يدافعوا عسكرياً عن وجودهم وبقائهم او يقاوموا اي احتلال لأرضهم وترابهم.

ان الغرب نراه اليوم يسعى بكل قواه المتاحة لقلب واقع المشرق العربي ومغربه بدءاً بتغيير اسمه الى شرق اوسطية ومتوسطية وبالتالي تفكيك جغرافيته السياسية ونهب جغرافيته الاقتصادية وتحطيم ارادته الوطنية والقومية مروراً بالتفاوض الانفرادي تطويعاً للارادات الاقليمية مستعملاً في سبيل الوصول الى هدفه، شتى وسائل الضغط التي بحوزته، ثم نراه يواصل زحفه المدمر الذي لم نفكر يوماً في التصدي له ليمحو بالقوة العسكرية والارهاب الرسمي لآخر مظاهر التضامن العربي بكافة اشكاله ومجمع صوره، والغاية هي تمرير النظام الصهيوني الجديد او النظام العالمي الجديد اقتصادياً وايديولوجياً وسلوكياً بعدما تكون المنطقة العربية بكل اجزائها قد فقدت مقومات وجودها ككيان تاريخي حضاري مستقل، وتراجعت عن مشروع الوحدة العربية والسوق العربية المشتركة والدفاع العربي المشترك… المبنى على مرجعية ذاتية مستقلة لتدخل في مسار انقلابي مضاد تماماً لمصالحها ووجودها على المدى البعيد.

ان الولايات المتحدة واسرائيل وفي اطار مشروعها للهيمنة على العالم تحت ستار (السلام) يسعون الى جعل العرب خاصة، امة مستسلمة وقابلة عنوة بما يسطر لها. فمنذ حرب 1967، تشن واشنطن وتل ابيب حروباً متناوبة على الوطن العربي لتمرير مشروع (الشرق اوسطية) تمريراً قهرياً واكراهياً ليس فيه من السلام المزعوم سوى رائحة الشهداء الابرار في عموم وطننا العربي.

من هنا يأتي حرصي ككاتب لكي اضع بين ايدي القراء العرب حيث ما كانوا مادة اضافية يتعمق بها وعيهم بما يجري من حولهم او يدبر في الخفاء ضد مستقبل وجودهم في هذا الوطن المنكوب بآثام وجهل قيادته السياسية . واثق ان سلاح المعرفة يأتي قبل البندقية احياناً.

لا خلاف ولا اختلاف في ان معرفة العدو واساليبه الهدامة واجب مؤكد على كل عربي مهما كانت الطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها، وهو سلاح الوعي الحقيقي في معركة ضارية لا تهدأ لحظة تقوم اساساً على تزييف الحقائق وتشويه الوعي العربي الثوري القومي وافراغه من محتواه ولتدمير الهوية الوطنية، وجب فكرة تحرير الوطن من براثن العدو الصهيوني واذنابه من عرب الانحطاط.

اصبح في حكم المؤكد ان الشرق اوسطية بكل افرعها وطرائق تغلغلها في نسيج المجتمع العربي، نظرية خطيرة آتية لبركنة او لزلزلة اركان وأسس الامة العربية وتفتيت بنيتها الاساسية.

والشرق اوسطية كما هو مدون بالمراجع المتخصصة، حلم قديم تدفعه دون يأس او تراجع، الحركة الصهيونية والامبريالية العالمية منذ اوائل القرن التاسع عشر، اي منذ حملة سيء الذكر نابليون بونابرت الفرنسي على المنطقة العربية وحديثه الصريح عن اهمية غرس الاستيطان اليهودي في المنطقة العربية لخدمة وحماية المصالح الاحتلالية، وتكررت الافكار نفسها تقريباً على لسان بالمرستون البريطاني سنة 1840م، حتى ظهر ما يسمى بالمؤتمر الصهيوني الاول سنة 1897م الذي بلوره المشروع وفق كتاب (الدولة اليهودية) الذي اصدره المسمى تيودور هرتزل سنة 1896. وبكتابه هذا تمكن هرتزل من تحقيق واحدة من اكبر واهم الاحلام اليهودية، وهي تحقيق نظرية سياسية كاملة الاسس والاركان اعتمد عليها اليهود لتحقيق امانيهم اذا كتب لهم البقاء لتحقيقها.

تمر السنوات رمادية، وهي تلتهم احلى صفحات تاريخنا الأخضر، وبدأت قامتنا المنتصبة تنحني الى الاسفل وتحول صوتنا الهادر الذي خرت له الجبال ساجدة الى زقزقة بفعل النكبات والكبوات المتتالية للسياسة العربية، في معظم محطاتها الهامة حتى ظهر ابليس السياسة العالمية (بلفور) ووعده المشؤوم الذي تمكن من زرع الجنين الصهيوني في رحم الامة العربية على طريقة اطفال الانابيب لينزل الى العالم مولود يتلذذ بقتل الابرياء ويهوى كسر العظام ودفن الاحياء، ويحترف السرقة واعدام الرضع، ويتسلى بتدمير البنى الاساسية (هدم الجسور، وقطع الكهرباء وحرق الارض).

وفي نهاية المطاف وفي اطار النظام العالمي الجديد، يبرز كتاب (الشرق الاوسط الجديد) لصاحبه شمعون بيريز. وبعد بضعة اعوام من صدوره يصبح الكتاب، انجيل الصهيونية تجاه المنطقة العربية. والكتاب جاء

لتذويب آخر رموز ومكونات المشروع القومي العربي نهائياً في المخطط الامبريالي العالمي ليصبح منطق القوة والردع والمساومة، هو اسلوب الصهيونية الجديد للدفاع عن نظرية بيريز.

اذن، وكما هو واضح، نحن امام اعمال فكرية ضخمة متصلة لتغليف الخطط والمخططات لحماية وتركيز مشروع عمره مائة عام من حياة الحركة الصهيونية، وخلال هذه المسيرة القصيرة نسبياً لم يتوان ولم يتخاذل البحث العلمي وادواته ذات العلاقة بالمشروع الامبريالي عن القيام بدوره كاملاً في طرح المفاهيم وتعميقها ثم بثها في دوائر صنع القرار وخلق المحاورين لها سواء داخل الدوائر الامبريالية والصهيونية نفسها او بنقلها الى دوائر الخلصاء العضويين واصحاب المصالح العدميين في الجانب العربي لتنطلق بدون عوائق مشروعات الهيمنة الامبريالية بالتوازي مع المشروع الصهيوني وبالرضاء التام من جانب جل القادة العرب، وبذلك يصبح الوطن العربي بامكاناته الضخمة لا يحمل في تقديرهم او في تقدير الايديولوجيا الجديدة الا سمة جغرافية يمكن تسميتها بالشرق الاوسط مرة ثم بالشرق اوسطية مرة اخرى او بتقسيمه الى اسماء عدة افريقيا واسيا مثلاً وفق مصالح الكبار التي ما زالت متنافسة بقوة على السيطرة على مقدرات الوطن العربي وثرواته التي لا تنضب، واذا كانت المنطقة العربية في اوائل القرن العشرين، فرنسا وبريطانيا وايطاليا، فاننا اليوم بصدد سايكس بيكو جديدة اساسها ان يدور المشرق العربي والخليج العربي في الدائرة الاوروبية، ولكن سايكس بيكو القرن الواحد والعشرين تسقط تماماً الاعتراف بوجود امة عربية لها ملامحها الخاصة ومخزونها الحضاري الضخم متناسية في الوقت ذاته ما اسهمت به الامة العربية وما زالت في تشكيل اوجه الحضارة العالمية.

ان مشروع الشرق اوسطية يريد ان يتعامل مع الاقطار العربية وهي مسورة نهائياً بالحدود الاحتلالية التي رسمت اثناء الحرب العالمية الثانية مضافاً اليها اسرائيل التي سيضطرها (السلام) الى رسم وتحديد حدودها بقضم ما تستطيع من ارض جيرانها العرب.

ماهي انعكاسات مشروع الشرق اوسطية على الامة العربية؟ وماذا يترتب عن تطبيقاتها…؟

نعلم جميعاً ان المصطلحات والشعارات في الغرب عموماً والفكر الصهيوني تحديداً، لا تطرح جزافاً، وكل مصطلح يشير الى الارضية النظرية للقوة التي طرحته. واذا كانت العقائد الاستراتيجية نتاجاً لعدة عوامل متعددة ومتداخلة اقتصادية وسياسية، محلية ودولية، تحدد صياغتها وشروط تنفيذها، فان دراسة الشعارات والمصطلحات المستعملة للتعبير عن مشروع ما لا تكشف اهداف واضعيه دوماً. ومصطلح الشرق اوسطية مصطلح غامض الى حد ما، ومضمونه خال من اي تحديدات، والضبابية والغموض في التسمية مقصودان، هدفه الغامض لا يعلمه الا واضعيه، اما هدفه الواضح الى حد الآن هو الغاء المحددات وصفات هوية المنطقة تاريخياً وثقافياً وسياسياً، وشطب الروابط القومية والاسلامية لأهل واصحاب المنطقة، اي ان هدف الصهيونية والامبريالية العالمية هو الغاء عروبة واسلام اهل البلاد وكأنها منطقة خالية من اي شعب، اذ نحن لا نجد كلمة (عربي) او (مسلم) في قاموس النظام العالمي الجديد. هذا التوجيه الخطير آتٍ ليس فقط لمحو الهوية العربية بل لدمج اسرائيل في المنطقة واعطائها دور قيادي اكبر من حجمها، ومن هذا المنطلق تفضل الكاتب محمد حسين هيكل

قائلاً- اننا لسنا امام نظام شرق اوسطي لا يعقل ولا يصح ان تهيمن فيه اسرائيل على جميع المصادر، اننا امام خارطة كاملة كانت هي هدف بني صهيون منذ زمن بعيد، هذه الخارطة تقضي بتمزيق اوصال الامة الى غرب في شمال افريقيا يلتحق باوروبا وشرق وراء سيناء حتى الشام التاريخية حيث موقع السيطرة الاسرائيلية ومطلبها الملح، ثم تتجمع الدول النفطية او تتبعثر هناك على سواحله غنيمة الاقوياء القادرين..

ويضيف هيكل – لقد وصل الحال بنا الى اخطر المراحل، حيث ان العربي الآن يتنصل ويعتذر عن قوميته حتى لا يتهم بالعنصرية، في حين تصر اسرائيل على ان تنزع من الامم المتحدة قراراً يدين الصهيونية كنوع من انواع العنصرية…

من ناحية اخرى، حاولت الطروحات الغربية والصهيونية بقيادة امريكا، اخفاء جانب مهم جداً في النظام الشرق اوسطي، الا وهو الجانب الثقافي. وفي هذا الجانب يحدثنا المفكر والباحث العربي جلال احمد امين، فيقول: ان الثقافة وكذا الفكر العربي والهوية العربية تحتاج الى حماية كما يحتاج الاقتصاد العربي، وان الانفتاح على اسرائيل يهدد الثقافة العربية كما يهدد الاقتصاد العربي، والسبب ان اسرائيل ليست مجرد دولة من الدول الطبيعية بل هي مشروع خطير على وجود ومستقبل الامة العربية والانفتاح عليها ليس كالانفتاح على هولندا او بلجيكا بل هو انفتاح على كيان احتلالي دخيل له مشروعه الخطير الذي يتناقض مع مشروع وتوجه الدول العربية الملتفة حوله.

لقد كان القصد خبيثاً منذ البداية كما تؤكد ذلك جل الاتفاقيات الموقعة بين العرب واسرائيل، ففي السابق تمت الموافقة على طمس معالم الدولة الفلسطينية شيئاً فشيئاً بدءاً بحذف اسم فلسطين من الخرائط العالمية، وكذا بعد الاتفاقيات ثم حذف العبارات الواردة في كتب التاريخ المدرسية العربية عن القدس العربية وبطولات صلاح الدين الايوبي وجميع المواضيع التي تسجل حقيقة اليهود وتقلل من شأنهم املاً في ان يرسخ في ذهن الجيل الجديد ان اسرائيل دولة طبيعية في المنطقة من جهة ومن جهة اخرى يرسخ في ذهن الشباب بالتدريج انهم ليسوا عرباً بل هم شرق اوسطيون. وما نسمعه في الخطب الرنانة من بعض السائرين في الركب وما نقرأه في وسائل اعلامهم لم يكن سوى سفاسف لا جدوى لها، فالكلام شيء والفعل شيء آخر، من زاوية اخرى يتبين ان النظام الصهيوني والامبريالي وعبر مؤسساته الضخمة يدعم سياسياً واقتصادياً الاقطار العربية التي تعمل على هدم ما تبقى من مكاسب القومية العربية وتضع العقبات في طريق اي محاولة لأي تقارب وحدوي عربي، وتأكيداً لما سبق فأننا نلاحظ ان العلاقات العربية – العربية تخضع هذه الايام لتغيير جذري لتناسب التوجه الشرق اوسطي.

بهادئ الكلام وبعيداً عن اللغة التآمرية وبدون خوف، نلفت انتباه شرفاء الامة العربية ورجالها الاحرار، الا ان هذا التحول الخطير في السياسة العربية الراهنة سببه ظهور نخبة محلية لا تشارك في الحلم القومي على الاطلاق، فهي جزء من منظومة النظام العالمي الجديد الذي هو امتداد للنظام الاحتلالي القديم، هذه النخب هامة وخطيرة لانها تغير من تكتيكات الاحتلال الشامل حسب الحاجة الى ذلك بمعنى ان الاحتلال لم يعد في حاجة الى ارسال جيوش او ارساليات تبشيرية، لانه يوجد داخل القيادات السياسية والنخب الثقافية العربية من استوعب

المنظومة تماماً ويدافع عنها بكل ما أوتي من قوة اكثر من الصهيونية العالمية. وتنقسم هذه النخب الى فريقين- الاول يروج لفكرة النظام الشرق اوسطي والنظام العالمي الجديد عموماً بدهاء وهدوء. والثاني يدعو لذلك بكل جرأة ووقاحة في محاولة يائسة لدفع الجماهير العربية للارتماء في احضان المخططات التي تستهدف نفي العروبة بكل موروثها الديني والحضاري والقيمي. وهنا ندعوا الجماهير العربية بكل رموزها الثورية وقواعدها الحية للتصدي لهذه النخب الهدامة بكل الوسائل المتاحة والعمل على تقزيم دورها وفضح اساليبها الخسيسة وخيانتها للأمة والوطن، فلا السجون تخيفنا ولا الحصار يثنينا عن عزمنا، ولا التهديد من الداخل والخارج يصيبنا بالاحباط والاستسلام للأمر الواقع، فالموت في سبيل الوطن اغلى امنية يتمناها العربي الصادق.

اان التصدي لمخططات بني صهيون واذنابهم يجب ان يكون عملاً يومياً بل لحظياً، وفي كل اتجاه وسبيل بدون تراجع او تردد او خوف. وبنشر الآمرين والمتآمرين على امننا القومي، ان هناك دلائل كثيرة تدفع الى التفاؤل الكبير بان كل ما يجري تخطيطه الآن على الساحة العربية سوف ينتهي الى نتائج معاكسة للاهداف التي يخطط لها التحالف الصهيوني/ الامبريالي واذنابهم في الداخل.

لا وهم عندنا، ان الوطن العربي ما زال وسيظل متشبثاً بالواقعية السياسية المفرطة التي تتمثل عملياً في خطر البرغماتية التي لا يحكمها فكر او عقيدة وذلك من خلال مجموعة من القرارات عادة ترتكز على المصالح القطرية الضيقة والمشاكل الداخلية وباجراءات وقتية لترميم التصدعات في نظام الحكم المحلي او لارضاء المتصدقين بالمعونات الاقتصادية وبائعي السلاح والساهرين على تأمين استمرارية انظمة الحكم غير الشرعية في بعض الاقطار العربية، وكذا لتجنب غضب الاقوى. ومحصلة هذه السلوكيات الغبية نهاياتها ضياع حقوق الامة واستمرار التنازلات عن كرامتها ومكاسبها حتى لو افترضنا ان بعض الاقطار العربية نجحت في الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية نتيجة اتباعها سياسة البرغماتية او لمسايرتها للنظام العالمي الجديد، فان مجموعة هذه المكاسب لن يكون كسباً صافياً للوطن العربي.

ان الاقطار العربية التي انتهجت السلوك البرغماتي وتنكرت لمبادئ وقيم الامة العربية والاسلامية، مؤكد انها قدمت مقابل للمكاسب الظروفية التي تحصلت عليها سواء كان هذا المقابل من ارضها وثرواتها وكرامتها او قومية من ارصدة الوطن العربي ككل والتزاماتها تجاهه وفي الحالتين يكون الخاسر هو الوطن والامة العربية.

ان السياسة العربية في شكلها الراهن فشلت فشلاً ذريعاً في تحديث المجتمع العربي وحل مشاكله الراهنة. ونكاد نجزم بان العملية في حد ذاتها وصلت الى مأزق حقيقي لا يمكن الخروج منه بسهولة، فبعد قرنين من بدء انفتاحنا على الغرب وارتطامنا بالحضارة الحديثة لم يتمكن الفكر العربي بمختلف توجيهاته من تجاوز عثراته فسقط في الصراعات الجانبية بين فصائله وقبائله السياسية، وطغى الخطاب الرومانسي اللاعقلاني على اطروحاته وطرائق عمله فانتهى بنا المسار الى احلام وامان يدحضها الواقع وجرت الرياح على عكس ما كنا نرتجيه، وفشلت عملية التنمية فشلاً ما بعده فشل، فالتبعية الاقتصادية تزداد يوماً بعد يوم والديمقراطية السياسية

والاجتماعية في تأخر مستمر وحقوق الانسان في ادنى المراتب وتهميش العلم والعلماء لا حد له، والجهل اخذ في التغلغل في ثنايا المجتمع.

هذه السلوكيات والتوجيهات الانهزامية شكلت هزيمة مرة للمشروع القومي قاتلة للوحدة العربية وجعلت نظام الشرق اوسطية ليس ممكناً فقط بل نتيجة حتمية وأمراً واقعاً لا مفر منه.

ان وهم الرخاء الاقتصادي الذي سيأتي به النظام الشرق اوسطي والقابع في مخيلة بعض القادة العرب ناتج عن براعة الحركة الصهيونية العالمية في اخفاء انيابها وراء ابتسامات زائفة تجيد سربلة مخالب الاحتلال الاقتصادي المباشر برداء البراءة وتدعمه بافكار مشوقة وبهرجة اعلامية كبرى منمقة للهيمنة الاقتصادية الشاملة، والعلمية في معظمها بالغة التعقيد وشديدة السرية لعل ابسطها التحكم في عملية اصدار القرار الاقتصادي –اي رغيف الخبز مقابل الطاعة- والاخطر من تلك الاوهام الذي يصدقها السذج والاغبياء فقط هو الادراك الصهيوني الواعي بحجمها الحقيقي، لذا فان اسرائيل تدفعها وتدعمها قوى عالمية معروفة، في طليعتها الولايات المتحدة الامريكية، تسعى بكل ما في وسعها مستعملة في ذلك شتى الوسائل لغرض نظام الشرق اوسطية والبدء بسوقه المشتركة –عوض السوق العربية المشتركة- وفتح حدود الاقطار العربية في وجه الاستثمار الاجنبي في محاولة قصوى لاستثمار الواقع العربي الراهن الذي يعكس ملامح العجز والانهيار وتداعيات شديدة السلبية، وهنا نتساءل – هل ستظل الاقطار العربية ذات سيادة اذا جردت من التحكم باقتصادها الداخلي بعدما فتحت اسواقها الداخلية على مصراعيها في وجه الصناعة الغربية…؟

والمناطق الحرة في بعض الاقطار العربية هل هي خدمة للاقتصاد الوطني ام احتلال من نوع خاص فرضه النظام الشرق اوسطي…؟ هل يمكن ان تظل الاقطار العربية ذات سيادة اذا جردت من التحكم باقتصادها الداخلي..؟

ان نظام الشرق اوسطي آتٍ لانهاء النظام العربي بكل ما يعنيه من قيم وتاريخ ومؤسسات وقدرة على المقاومة الذاتية او على الاقل تغيير معالمه الى اقصى درجة ممكنة والعمل على استغلال حالة الانهزام الذاتي التي تمر بها كل رموز الامة العربية وتوظيفها لصالح خلق منظومة تفاعل جديدة لا يكون للعرب كنظام وهوية اي دور فيها، والمشكلة ليست في نظام الشرق اوسطية ولكن المشكلة في القيادات العربية الرسمية التي نامت نوم اهل الكهف.

[email protected]