الربيع العربي والفوضى التركية
فوضى ما سمي بالربيع العربي، جعل أحلام السيطرة والهيمنة على الدول العربية متاحاً لكل طامع، مهما كان ناقصاً وقد خاضت الكثير من الدول تجربتها القاسية التي انهكت القوى في منطقة الشرق الاوسط وضعفت دول كانت لها قدرة المناورة في سياساتها وكانت انقرة هي اللاعب الاصلي ومثلت الولايات المتحدة الأمريكية محور مصالحها السياسة، كما كانت لغرور العضوية في حلف الناتو أساس المصالح التركية العسكرية والإستراتيجية الأثر في استقطاب قوى الإرهاب من كل صوب، تدربهم وتسلحهم، ومن ثم ترسلهم عبر حدودها للعبث في رقعة العالم العربي والآن تحاول الخلاص منهم بعد ان اصبحوا عبئاً ثقيلاً عليها و تمكن العراق وسورية وبعض الدول الاخرى الحد منهم والتضيق عليهم ويكلف انقرة كثيراً من المال .
لقد كشفت التحولات الأخيرة على الصعيدين الإقليمي أو العالمي عن تغير كبيرة في رؤية المجتمع الدولي للتعاطي مع الواقع المأساوي الذي حل بسوريا وتركيا بعد الزلزال الأخير الذي ضرب البلدين المتجاورين بعد صراع مقيت خسر الجميع فيه ودون وجود رابح بينهما بسبب التدخلات الاجنبية ،والمؤشرات تؤكد الانفتاح على التعامل مع دمشق والحكومة السورية والرئيس بشار الأسد،، وخاصة من قبل الدول العربية والزيارة التي قام بها بعض رؤساء البرلمانات العربية لسورية تؤيد هذه الرؤية ، وتعطي أريحية أكبر في التحرك الدبلوماسي للرئيس السوري على المستوى الخارجي. وإن الشروط التي وضعها الرئيس بشار الأسد لعقد قمة مع الرئيس التركي رجب أردوغان عدا عن تعبيرها عن سيادية عالية . وهي ضربة معلم تكسبه مزيداً من المكانة والاحترام لدى شعبه وفي الخارج ، وضعت الشروط السورية السهلة والمحرجة قيداً على أي تطبيع سعودي ومصري مع تركيا وزيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لمصر مؤشر جديد على عودة الدفء للعلاقات بين البلدين بعد عشر سنوات من التوتر والقطيعة بين القاهرة وأنقرة لكن ليس من السهل التحرك وكأن شيئا لم يكن بين ليلة وضحاها، في ظل انقطاع العلاقات لأعوام طويلة رغم تعرض الرهان التركي على تنظيم الإخوان لضربة إجهاضية و اعتبرتها أوساط تركية عديدة نهاية لمشروع تمكين جماعات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، وهو المشروع الذي دعمته الدولة التركية من منطلقات جيوسياسية وأيديولوجية واقتصادية مختلفة ، ولهذا لم يكن مستغربًا أن تتموضع تركيا في ذلك التوقيت ولوقت قريب في موقع حاولت فيه بشكل مستمر استهداف الدولة المصرية في مرحلة ما بعد حكم جماعة الإخوان، سواء عبر استضافة أعضاء الجماعة الفارين إليها، أو توفير منصات اعلامية وصحفية لهذه الجماعة وربما كانت تأثيرات هذه التدخلات التركية أكثر وضوحًا في سوريا وليبيا .
لقد كانت ولازالت الأطماع التركية ممثلة بالرئيس أردوغان، عبر حزبه العدالة والحرية، الذي تمكن من قلب الديموقراطية في تركيا، لتصبح دولة إخوانية بامتياز، وبادر بافتعال الانقلاب المزعوم، ليتمكن من تصفية مناوئيه في الداخل التركي، وجرهم دون محاكمة للمعتقلات، أو الإقامة الجبرية، كما تخلص من الكثير من الفاعلين في المشهدين السياسي والإعلامي، من يرفضون الخلافة المزعومة، بينما سمح للإخوان المسلمين بالهيمنة وقيادة الرأي عبر قنوات إعلامهم، واستقطاب قوى الإرهاب من كل صوب، تدربهم وتسلحهم، ومن ثم ترسلهم عبر حدوده للعبث في رقعة الشرق الأوسط والعالم العربي ، وان رهان أنقرة المستمر حاليًا على حكومة عبد الحميد الدبيبة -منتهية الولاية- وكذلك توقيعها عدة اتفاقيات مثيرة للجدل معها في شهر أكتوبر الماضي، بما في ذلك اتفاقية للتنقيب عن الطاقة، وكذلك اتفاقيتين للتعاون العسكري والأمني تؤكد تلك الاطماع؛ وكذلك في سورية لازالت تركيا وحلفاؤها تسيطرحاليًا على ما يناهز 16 ألف كيلو متر مربع في النطاق الشمالي والشمالي الشرقي السوري، تنقسم بين ثلاث مناطق أساسية، منها منطقتان تتصلان جغرافيًا ببعضهما البعض في الجانب الغربي من الحدود المشتركة، وتضمان مناطق تتبع إداريًا محافظتي إدلب وحلب، في حين توجد المنطقة الثالثة في قطاع منفصل في القسم الأوسط من الحدود المشتركة، وتضم مناطق تتبع إداريًا لمحافظتي الرقة والحسكة. تضم المناطق الثلاث مدنًا مهمة في الشمال السوري، مثل مدن: الباب، ورأس العين، وتل أبيض، وعفرين، واعزاز. على الرغم من العنوان العريض الذي وضعته أنقرة لهذه العمليات العسكرية المتتالية “مكافحة الإرهاب وإبعاد أنشطة حزب العمال الكردستاني عن الأراضي التركية”، إلا أن النتائج التي ترتبت على هذه العمليات الاعتدائية و الاحتلالية كانت ذات تأثير مباشر على وحدة الأراضي السورية وسيادتها، سواء عبر انتشار عشرات النقاط العسكرية التركية في كافة أنحاء هذا النطاق السالف ذكره،