18 ديسمبر، 2024 8:57 م

الشرق الاوسط في عين العاصفة

الشرق الاوسط في عين العاصفة

أعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب وثيقة استراتيجية الامن القومي الامريكي . وهذه الوثيقة ، كما يدل عليها اسمها ، تؤشر القضايا الملحة والتحديات التي يواجهها الامن القومي الامريكي، ويشارك في اعدادها كل المؤسسات الامريكية ذات العلاقة ، ويقوم مجلس الامن القومي الامريكي بصياغتها النهائية ويقوم الرئيس باحالتها الى الكونكرس . وعادة ما تنتظر الدول والمنظمات الدولية والاقليمية الاعلان عن هذه الوثيقة ليتعرفوا على توجهات الادارة الامريكية في المدى المنظور . والوثيقة الحالية تتعامل مع توجهات سبق للرئيس الامريكي ان عبّر عنها في مناسبات مختلفة اثناء حملته الانتخابية وعندما أصبح رئيسا ايضا، ويعمل على تنفيذها عبر سلسلة من القرارات والاوامر التنفيذية . ويلاحظ على هذه الوثيقة اهتمامها في الشرق الاوسط مقارنة باستراتيجية عام 2015 التي اعلنها الرئيس السابق باراك اوباما ، والتي لم تركز على قضايا الشرق الاوسط بقدر ما كانت تركز على الارهاب وكيفية محاربته.
توضح الوثيقة ثلاثة اهداف مركزية تسعى الولايات المتحدة الى تحقيقها ، الاول منها ان لايكون الشرق الأوسط ملاذا آمنا أو أرضا خصبة للجهاديين الارهابيين ( وهذه التسمية لم تكن متداولة في ادارة أوباما ، وهي من ابتكار اليمين المتطرف الامريكي الذي وصفه ترامب في مناسبة انهم أناس طيبون ، ولا تخفى ايحاءاتها في اقتران الارهاب بالاسلام ) . والثاني منها ان لاتهيمن على الشرق الاوسط اية قوة معادية للولايات المتحدة ( والاشارة هنا الى ايران ). وثالثهما الاستقرار في اسواق الطاقة ( والمقصود هنا أهمية الاستقرار في الخليج).
وفي معرض توصيفها للشرق الاوسط ، فان ما يميزه هو تداخل الازمات فيه . وهذه الازمات ناجمه عن 1- التوسع الايراني 2- انهيار الدول 3- الافكار الجهادية 4-الركود الاقتصادي 5- التنافس الاقليمي . وعلى اساس ما تقدم ، فان الوثيقة تشير الى ان المنطقة لا تزال موطن لأكثر المنظمات الارهابية خطرا في العالم تعمل على زعزعة الاستقرار وتقوم بتصدير العنف الجهادي . أما أيران ، وهي الدولة الرائدة في العالم في رعاية الارهاب ، فانها تنتهز فرص عدم الاستقرار لتوسع دائرة نفوذها من خلال الشركاء والوكلاء والتمويل ونشر التسلح ، وهي مستمرة في تطوير المزيد من الصواريخ البالستية ، وقدراتها الاستخبارية وتقوم بانشطة الكترونية لتحقيق اهداف وصفتها الوثيقة بالشريرة، وان ايران مستمرة في انشطتها هذه منذ ابرام الاتفاق النووي 2015 ، ولا تزال مستمرة في ادامة دورة العنف في المنطقة ، مسببة اضرارا جسيمة بالسكان المدنيين. وتخلص الوثيقة الى نتيجة مفادها ان الارهاب والتوسع الايراني هو السبب في ازمات المنطقة وليست اسرائيل التي كانت تحسب على انها اساس الصراع في الشرق الاوسط. ومن اجل هذه الاهداف وفي ظل هكذا أوضاع ، فان الادارة الامريكية ستعمل من الناحية السياسية ،خليجيا على تقوية الشركاء وايجاد شركاء جدد من اجل تحقيق استقرار وازدهار المنطقة، بما في ذلك تقوية مجلس التعاون الخليجي الموحد ، وفي العراق تقوية استراتيجية الشراكة الامريكية طويلة الامد . وفي سوريا ، البحث عن تسوية سلمية للحرب الاهلية بما يضمن عودة اللاجئين . وفي ايران ، فان الادارة الامريكية ستعمل مع الشركاء لمنع ايران من حيازة الاسلحة النووية ، والحد من نفوذها في المنطقة. اما من الناحية العسكرية والأمن ، فتذكر الوثيقة ان الولايات المتحدة ستحتفظ بوجود عسكري ضروري للدفاع عنها وعن حلفائها من الهجمات الارهابية والمحافظة على توازن مناسب للقوة اقليميا .
يبدو جليا ان ستراتيجية الامن القومي الامريكي في الشرق الاوسط قد ركزّت على رؤى محددة وواضحة قائمة على، أولا: ان اسرائيل ليست السبب في ازمات المنطقة ، وبالتالي يجب التفتيش على حلول واقعية للصراع العربي – الاسرائيلي ، وتتواتر الاخبار عمّا يسمى بصفقة العصر ، لاسيما بعد اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة موحدة لأسرائيل ، وعلى ضرورة التوصل الى حلول ” واقعية ” في ضوء هذا الواقع الجديد.وثانيا : وبما ان السببين الرئيسين لأزمات المنطقة هما الارهاب والتوسع الايراني ، فينبغي على المجتمع الدولي ودول المنطقة التخلص من هذين السببين . كانت البداية بشن الحرب على الارهاب ، وخاض المجتمع الدولي ما يقارب الثلاث سنوات ليعلن بعدها الانتصار في هذه الحرب ، مما يشير الى ان المرحلة القادمة ستركز على كيفية الحد من النفوذ الايراني في المنطقة . وسياخذ التحرك مجالات متعددة ، ليس للحرب وقع فيها ، اذ سيعمل نظام العقوبات في الحد من قدرات ايران في مجال الصواريخ البالستية بعيدة المدى وبالتالي اضعاف قدراتها العسكرية ، ومن خلال العمل مع الشركاء الاقليميين والدوليين بمن فيهم روسيا ، سيتم تقليم مخالب ايران في المنطقة . اما ثالثا، ومن اجل تدفق سلس ومستدام للنفط ستحتفظ الولايات المتحدة بوجودها في الخليج وستعمل على تقوية حلفائها في المنطقة لكي تكون قادرة على تحقيق تلك المهمة من ناحية ، وخلق توازن قوة قادر على حماية استقرار المنطقة وأمنها .
يبقى اين موقع العراق في هذه الاستراتيجية ! هل تستطيع الولايات المتحدة تقوية شراكتها طويلة الامد مع العراق ، في ظل نفوذ ايراني سياسي وعسكري قوي وواضح ومتزايد على الصعيدين الرسمي والشعبي ! وهل تستطيع الولايات المتحدة الاحتفاظ بوجود عسكري في العراق في ظل تنامي الشعور المعادي لها بدفع من ايران! ثم هل تستطيع الادارة الامريكية الحد من نفوذ ايران في العراق!
هذه الاسئلة ستجيب عليها الانتخابات المقبلة في مايس القادم .