18 ديسمبر، 2024 11:55 م

الشرق الأوسط في اعين الاخرين

الشرق الأوسط في اعين الاخرين

الشرق الأوسط! ذلك المجهول الكبير الذي يضم أكثر من 317 مليون انسان والالف المشاكل والكوارث والالام والآمال على طول التاريخ. انه مهد الحضارة وأول موطن للإنسان على سطح الأرض ومهبط الأنبياء السماويين كلهم واصل البشرية الأصيل ومصدر الطاقة لغالبية البشر وموطن كل التناقضات والمفارقات والأزمات. كتبت سابقاً عن علاقة الشرق الأوسط والانبياء وكيف ان اغلب الأديان السماوية كان موطنها الشرق الأوسط وان البعض يعتقد ان ذلك حدث لأن سكان الشرق الأوسط هم أكثر الناس حاجة الى الأنبياء والتوجيه لكونهم متمردين على كل شيء ويعتقد البعض الاخر انهم على عكس ذلك كانوا موطن الحضارات المدنية الأكثر رقياً في زمن بعثة الأنبياء مما أهلهم لحمل رسالات السماء الى بقية الاقوام البربرية والهمجية الى الشرق والغرب منهم في ذلك الوقت. وحديثاً وفقني الله تعالى للسفر الى أمريكا لإكمال دراستي ولأنني أحب معرفة اراء الناس حول كل شيء فقد اشبعت كل من حولي أسئلة واستفسارات عن كل ما اطمح الى معرفة اسراره وتفاصيله ومن ذلك سؤالي لزملائي الطلبة من الشرق والغرب عن اراءهم بالشرق الأوسط والعرب والمسلمين وكيف ينظرون الينا وكيف يستقبلون الاخبار عنا وكيف يتربون على التعامل معنا كأمة (او أمم) مختلفة عن بقية البشر ولنا طبائعنا الخاصة التي جعلت الغربيين يكتبون الكتب ويقدمون الرسائل والاطروحات لكيفية فهم العرب ومعرفتهم!

فكان ان حصلت على أجوبة عديدة تنوعت وتعددت وحيث أني توقعت بعضها الى حد ما، جاءت الأجوبة الأخرى مختلفة تماماً عما نعرف عن أنفسنا او عما نعتقد ان الاخرين يعرفون عنا او يتوقعون منا واليكم بعض التفصيل حول ذلك:

الغرب عامة وامريكا خاصة:

قبل الخوض في ذلك لابد من التفريق بين الغرب كشعوب وحكومات فهم ليسوا وحدة واحدة بل هم مختلفون فيما بينهم ومتباينوا الآراء كما عندنا بالضبط وهناك من يتفق مع الحكومات وهناك من يختلف معهم وهناك معارضة وهناك تأييد وهناك أناس يؤيدون اليوم ويعارضون غداً بحسب اتفاق القوانين والقرارات مع اهوائهم او مع مصالحهم ولكن الفرق الوحيد انهم أناس يعرفون كيف يعبرون عن الاختلاف ويحترمونه وينتظرون الوقت الذهبي لتغيير ما لا يحبون وهو الانتخابات في حين يتحول عندنا كل خلاف او اختلاف الى احتراب وقتل وتسقيط!

جاءت أجوبة الأصدقاء الامريكيون على عدة أنواع: فبعضهم ينظر ببساطة الى الشرق الأوسط كجمجمة وعظمين متقاطعين (كرمز الموت او القراصنة!) ومن الطبيعي ان يكون عندهم هذا الانطباع السطحي من خلال متابعتهم السطحية للأخبار وعدم اهتمامهم بالتفاصيل او عدم اكتراثهم لما يحصل عندنا فعلاً. هؤلاء المواطنون (والذين يشكلون الأغلبية) يعتقدون ان الشرق الأوسط عبارة عن كتلة كبيرة من التعقيد التي يحتاج فك شفراتها وحل رموزها الكثير من الوقت والجهد الذي لا يمتلكه الكثيرون لذا يكتفون بالقول ان الشرق الأوسط ما زال في القرون الوسطى يقتل فيه الناس بعضهم البعض لأتفه الأسباب وتلف فيه النساء بالخمار وتمنع من قيادة السيارات وتقطع رؤوس الناس وتؤكل اكبادهم بسبب اختلافهم في الدين والمذهب والمعتقد!

النوع الاخر من المواطنين الامريكان يرون ان الشرق الأوسط هو مادة دسمة للأعلام والبحث والكتابة حوله من بعيد! بدون الحاجة الى الاقتراب من تلك المنطقة الخطرة والمميتة وهم الاعلاميون والكتاب والفنانون واما النوع الثالث من المواطنين الغربيين عموماً والامريكيين خصوصاً فيرون ان الشرق الأوسط هو سلة النفط العالمية وهو سوق لتصريف المنتجات الصناعية والعسكرية وان ادامة الاقتتال والاحتراب هناك هو الضمانة للحصول على النفط وتصريف المنتجات بما يسمونه “صناعة الحروب” وهؤلاء هم طبقة السياسيين (جزء منهم طبعاً وليس كلهم فالبعض الاخر يرون ان ترك الشرق الأوسط لحاله افضل واسهل وابعد عن المشاكل) والمنتفعين ورجال الاعمال وأصحاب شركات تصنيع السلاح وبعض المواطنين المنقادين الى تلك الآراء بقوة.

بقي ان اذكر ان صنفاً مهماً من الشعوب الغربية يرى ان التفكير بالشرق الأوسط وما يعانيه ويمر به هو ترف فكري حيث ان لهم مشاكلهم الخاصة وسعيهم الحثيث الى تطوير أسلوب حياتهم والعمل الدؤوب لساعات متواصلة كل يوم لتسديد الفواتير وتوفير عيش كريم لأنفسهم وعوائلهم وهؤلاء حين سألتهم عن آرائهم بمشاكل الشرق الأوسط كانت اجابتهم باختصار:

“نحن لدينا مشاكلنا الخاصة ولا وقت لنا للتفكير في مشاكل الاخرين”.

وهو لعمري جواب منطقي ويشمل طبقة كبيرة من الناس حول العالم. فكل شعب وكل بلد وكل طبقة من طبقات المجتمع في كل بلد لها مشاكلها الخاصة وهمومها المختلفة والتي تكون أساس حياتهم ونحن لم نعد الشغل الشاغل للعالم الا بما ننتج من إرهاب ودمار ونصدر من مخبولين يفجرون أنفسهم هنا وهناك ليفسدوا على الناس حياتهم ويخربوا تناغم دنياهم.

شعوب شرق اسيا ووسطها

اقصد بذلك شعوب الصين واليابان وكوريا والهند وغيرها من دول شرق وجنوب شرق اسيا وهذه الدول لديها من التصميم والعزم على التحدي واللحاق بركب العالم بل وسبقه ما لا يوصف. رافقت شباب هذه الدول فوجدتهم مكائن من الإنتاج والعمل والطاقة لا يتعبون ولا يفكرون بالمتعة والراحة ولا النوم بل ولا يفكرون من الصباح حتى المساء الا بكيف ينتجون وكيف يتطورون وكيف يبدعون طبعاً مع بعض الاستثناءات هنا وهناك فلكل قاعدة شواذ وحين سألتهم عما يرونه في الشرق الأوسط وما يعتقدون عنه كانوا كعادتهم واضحين في الإجابة وكانت الإجابة بسيطة: ” نحن لا نفكر في الشرق الأوسط لأننا لا نتوقع منهم خيراً ولأن شرهم (شر الإرهابيين منهم) بعيد عنا!” وعندها اكتفيت بهذا الجواب الذي حصلت عليه من أكثر من شخص وليس واحداً فقط وعلمت اننا خارج قاموس مفردات هؤلاء البشر ويحق لهم ذلك فهم شعوب يعشقون العلم والعمل والإنتاج ونحن نعشق الشعر والغزل والتاريخ والقتال والمفاخرة بأمجاد الماضين! وشتان بين الاثنين فنحن وهم نعيش على كوكب واحد وفي فترة زمنية واحدة ولكن الفاصل الحقيقي بيننا قرون ومجرات في الزمان والمكان!

اما شعوب اوروبا فقد كان لهم رأي مختلف:

حيث يرى هؤلاء الادميون اننا شعوب مثيرة للاهتمام وأننا اليوم ندفع ثمن حماقات ارتكبت عبر التاريخ لأننا لا زلنا نعيش في التاريخ! ويشعر البعض اننا ما زلنا نعاني مخلفات الحرب العالمية الأولى والثانية واتفاقيات سايكس بيكو وسان ريمو والتقسيم لدول الشرق الأوسط والتلاعب الذي قامت به حكوماتهم في ديموغرافية المنطقة وتجانسها واكثر من ذلك يصل البعض الى اظهر الشعور بالاسى والاسف لما سببه اجدادهم لنا من احتلال وتقسيم ولو بشكل غير مباشر ولكن كل ذلك لا يمنع من انهم (على الاغلب) مصابون بالاسلاموفوبيا (الرهاب من الإسلام) لما رأوه ويرونه من تصرفات ممقوتة ممن يحسبون على الإسلام في اوروبا والعالم كله ولذا تراهم يتجنبون الخوض في الحديث عن آرائهم المباشرة فيما يعتقدون عن الشرق الأوسط والعرب والمسلمين وهو امر مؤسف للغاية ان يكون المتطرفون منا قد اوصلوا الاخرين الى الخشية من التعبير عن آرائهم فينا بصراحة خوفاً من ردود فعل متطرفة او غير متوقعة! ولكنهم على الاغلب أكثر تعاطفاً معنا من الاعم الاغلب من شعوب أمريكا واسيا.

اما افريقيا السمراء فلا داعي لمعرفة آرائهم فينا فرأيهم متوقع وهو انهم يعانون من مشاكل كثيرة تجعل تفكيرهم فينا امراً من الخيال فهم يعانون الفقر والمجاعة والامراض والاقتتال المستمر ولكن فيهم جيلاً من الشباب سيحطم المستحيل وينقلهم الى المستقبل في وقت قريب ان شاء الله حيث انهم قريبون من الشرق الأوسط ويعانون ما يعانون من تبعات ذلك القرب من منظمات إرهابية ك(بوكو حرام) وغيرها ولكنهم رغم ذلك يحترمون الانسان لكونه انسان ويؤمنون انهم يستطيعون التفاعل والتواصل مع أي شخص بناءاً على جديته وافكاره البناءة بعيداً عن الطائفة والدين والعرق ولذلك اعتقد ان أجيال شبابهم ستنهض بأممها في القريب العاجل وأتمنى ان ينالنا نصيب مما نال الاخرين من فكر جديد وعقول مخلصة لبناء الأوطان بدلاً من لعن الظلام واتهام الشرق والغرب بالمؤامرات ضدنا ونحن نيام!.

خلاصة القول اننا كنا وما زلنا نخدع أنفسنا اننا محاربون من قبل الاخرين وانهم يستهدفون النيل من (حضارتنا) و(تاريخنا) و(عقولنا الفذة) و(انجازاتنا التاريخية!) ونستمر في الاقتتال بيننا وتخريب ما بين أيدينا والحقيقة ان العالم قد نسينا ونسي حتى وجودنا ولا يرى منا غير الاخبار التي تنشر صور القتل والرعب والدماء مما خلق ويخلق فجوة وحاجزاً بيننا وبين الاخرين يجب ان نعمل على هدمه بإظهار أفضل ما لدينا من علم واخلاق وحسن تعامل وتعاطف من الاخرين لنثبت اننا ما زلنا هنا وانه ما زال بأماكننا ان نشارك في بناء حضارة الانسان على الأرض بدلاً من استخدام ما ينتجه الاخرون لتخريب ما عندنا او قتلهم به! وانا متفائل بأجيال سترى النور قريباً وستنفض عنها تراب الأحقاد والخراب وتنطلق الى بناء الأوطان على أساس من الإنسانية المشتركة واحترام الاختلاف وأتمنى ان يكتب الكاتبون يوماً بعد جيل او جيلين “ان العالم ينظر الى الشرق الأوسط على انه شعلة النور الجديدة في عالم اليوم” وما ذلك عن المخلصين ببعيد.