هل يحتاج العالم من أقصاه إلى أقصاه إلى دليل أوضح من هذا الدليل الواقعي البين لكل ذي عينين، أمريكا مرة أخرى تتعاون علنا مع ذباحي قاعدة الشيطان الإجرامية، ولا يجري هذا المقال مجرى الدفاع عن النظام السوري، بل هو مقال لبيان أن كلا من ذباحي قاعدة الشيطان، والنظام السياسي الامريكي وليس الشعب الامريكي، يشكلان كليهما فكي الشيطان وبدءا بالتهام العالم، وإغراقه في بحور من الدماء وفضاء من الخوف لا خلاص منه إلا بعودة الناس عن هذا اللهاث العقيم خلف رجسة الخراب (أمريكا)!!
ما معنى أن يسرب إلى ذباحي القاعدة أسلحة كيمياوية ويستخدمه أولئك المجرمون المدعومون من كل المتباكين على سوريا في العلن، ذباحيها في الخفاء، وبعد وقوع الجريمة ـ إن كانت وقعت، بمعنى إن كان ما سربه الإعلام صحيحا من استعمال الأسلحة الكيمياوية في المواجهة ـ صار الأمريكان يتباكون على الضحايا الذين هم ضحاياهم، وعندما نقول (الأمريكان) يعني كل الذين يلهثون خلفها بما فيها السيدة العجوز، ولو تدبر الناظر إلى ما يحصل في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا اليوم يتبين له بصورة واضحة لا تقبل الشك أن ذباحي القاعدة دخلوا إلى سوريا وحرفوا ثورتها السلمية عن مسارها، وكان دخولهم بمساعدة أمريكا واللاهثين خلفها، وماذا صنع هذا الفعل الإجرامي؟؟!!
أولا : أعطى الشرعية للنظام في قمع تلك الثورة، وتصوير ثورة الشعب أنها فعل جهات خارجية، ثانيا : دفعت واقع سوريا إلى التخندق الطائفي، وضيعت الفرصة على الشعب في الثورة على الأنظمة الطاغوتية، ثالثا : ما يحصل في سوريا طحن شعبها، وشكل ترجمة واقعية للمشروع الأمريكي الذي أعلنت عنه كوندليزا رايس عندما كانت وزيرة للخارجية الامريكية (مشروع الفوضى الخلاقة)، ولكن هل تساءل المحللون عن الدافع الحقيقي خلف هذا المشروع التدميري الخطير الذي استباح منطقة الشرق الاوسط استباحة لم يعرف في التاريخ لها مثيلا؟؟!! فليس ما يقع اليوم حربا حقيقية لتعرف الناس أنها في حرب، ولا يمكن لعاقل أن يقول أن الحال اليوم هو حال سلام وأمان، فماذا يعني حال اللاسلم واللاحرب، وعجلة الموت المجاني لا تتوقف؟؟!!
الآن العالم كله على أعتاب حرب عالمية حقيقية وما يحصل لا يمكن أن يكون لهوا عابثا لمخرج أمريكي يريد أن يتحدى ذاته في تحقيق مشروع تدميري لا يتعدى أثره شاشة السينما، بل هو مشروع سيهلك الحرث والنسل، ولن يكون هناك من هو في منأى عن ذلك البأس الذي سينزل بالناس عند انطلاق أول رصاصة معلنة عن بدء الحرب، سوف لا تنفع الأبراج العالية في حماية سدنتها عند بدء الطوفان، فانتبهوا قبل أن يكون حالكم وقولكم كقول ابن نوح عندما حكى الله سبحانه قوله وجواب نوح الرسول(ع) له عند وقوع الطوفان{قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}(هود/43)، واعلموا أن منطقة الشرق الاوسط على فوهة بركان لا يبقي ولا يذر، وليس هناك عاقل يمكن أن يخطر بباله أن الله سبحانه ترك خلقه بيد الرؤوس العابثة لتطحنها في مطحنة (الفوضى الخلاقة)، فكما كان لذاك الطوفان نوح(ع)، شكل للعباد جهة نجاة، فكذلك اليوم، فسنة الله سبحانه وقانونه واحد ثابت لا يتغير ولا يتبدل، ولا تضيعوا فرصة النجاة بالسخرية والاستهزاء، كما فعل قوم نوح وكبراءهم من قبل، فلم يعصمهم الجبل، وكذلك أنتم اليوم لا يعصمكم من طوفان (الفوضى الخلاقة) الذي باتت ريحها العاصفه قريبة جدا من أنوفكم فلا تشمخوا تكبرا، ولا سبيل أمامكم إلا الإفادة من عبر الماضي، ولتستفيدوا من قول أمير المؤمنين(ص) وتكونوا من تلك القلة عندما قال : ما أكثر العبر وأقل المعتبرين.
لقد جربت شعوب الشرق الاوسط الثورات وخلعت الأعنة، وجربت المؤسسات الدينية التي كانت تظن فيها قدسية اكتشفت أنها لم تكن غير سحابة صيف لا ماء فيها، بلا ولا ظل فيها يستظلون به، ووجدوا في تلك المؤسسات لا أبالية بل وطفيلية عجيبة لم يسبق أن رآها الناس في أي دويبة طفيلية، فلا يوجد كائن طفيلي لا يتحمل مصائب ما يقع على الجسد الذي يعتاش عليه، على خلاف تلك المؤسسات حيث اكتشف الناس أن تلك المؤسسات الدينية التي أوهمت الناس بقدسيتها كل هذه السنين المتطاولة ليست سوى مؤسسات طفيلية لا هم لها سوى الاعتياش على ظهور الناس، وإذا ما سقطوا قفزت من تلك الظهور إلى ظهور أخرى، وليس العتب على تلك المؤسسات، فهي قد اتخذت من الدين بضاعة لها في سوق الدنيا، ولكن العتب على الناس الذين تقبلوا هذه الحالة الشاذة التي صيرتهم نهبة للذئاب، وعبدة للأصنام، في زمن يتبجح أناسه بأنه زمن التطور التكنلوجي والعلمي!!!
فبعد سقوط كل خيالات القيادة المتوهمة، فلم يعد اليوم هناك ساسة قادرون على أن يكونوا أهلا لتحمل المسؤولية، ولا مؤسسات دينية تتحمل المسؤولية، ولا منظمات مجتمع مدني قادرة على أن تنفذ ما أعلنته من أجندة وجودها، بل لم يبق بين يدي الناس حلا يمكن لها أن تركن له ويكون فيه نجاتها، فماذا على الناس أن يفعلوا؟؟!! وإلى أي جهة عليهم أن يتوجهوا؟؟!! لقد استنفد أهل الشرق الاوسط كل الحلول التي توهموها وظنوا أنها طوق نجاة لهم، وفي نهاية اللهاث المحموم وجدوا أنفسهم أمام فكي الشيطان، وأمام ظلمة مهلكة لا خلاص منها إلا بالعودة الحقيقية إلى الله سبحانه، وسؤاله سبحانه عمن هو نوح هذا الزمان، ومن هذا الذي بنى للناس سفينة النجاة وهو محل سخرية واستهزاء من كل أولئك الذين كان يستهزئون بنوح(ع) والذين آمنوا معه؟؟!!
وصار واضحا أن الأمريكان وتنظيم القاعدة الشيطاني هما وجهان لعملة القتل، وعملة الفوضى الخلاقة، وليتبين للناس جميعا أن الراعي الحقيقي للقتل المجاني والإجرام العالمي هو النظام السياسي الامريكي، وغاية هذا النظام تركيع أهل الأرض لمراداته وشهواته، واستعباد الخلق، ولاشك أن هذا الزمان أفصح عن هويته جليا؛ إنه آخر الزمان ولا يجادل في ذلك إلا أولئك الذين يريدون أن يواجهوا الطوفان بوهم ابن نوح، ويتوهمون أن هناك جبلا سيعصمهم من النار القادمة، وسيأتيهم الجواب : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، والمرحوم هو ذلك الذي عرف نوح زمانه وصدقه واتبعه وركب في سفينة الخلاص الإلهية، أما أولئك الذين يصرون على رفض الحقيقة القائمة فسيجدون أنفسهم لقمة سائغة في فم الشيطان وبين فكي الأمريكان والقاعدة، ولا عذر لهم في ذلك اليوم ولا عاذر.