تعلمنا في المرحلة الابتدائية من دراستنا أن فرقتنا تتسبب في ضعفنا، وشتاتنا يفضي الى استقواء أعدائنا علينا، ولطالما ردد معلمونا أبيات معن بن زائدة في قصته مع أولاده حين أوصاهم قالا:
كونوا جميعـاً يابني إذا اعترى
خطب ولا تتفرقوا آحـــادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً
وإذا افترقـن تكسرت أفرادا
أرى أننا اليوم في عراقنا بأمس الحاجة الى التكاتف والتوحد، إذ هما السلاح الأقوى في مرحلتنا الراهنة، وبهما نمنح باقي أسلحتنا القوة والفاعلية، ومن دونهما نبلغ غاية الضعف، ونفسح المجال على وسعه لكل من هب ودب من المخلوقات، ونمنحها الضوء الأخضر لغزونا واستباحة أرضنا وعرضنا، وأقرب مثال على ماأقول أحداث الموصل في حزيران من العام الماضي. فلو وظفنا وحدتنا إضافة الى باقي الخلائق والشمائل والسمات التي اجتمعت فينا، وترجمناها الى أفعال نستند على قوتها لتغلبنا على عدونا، ودرأنا مخاطر كادت تصيب منا مقتلا من دون أن تقوم لنا قيامة بعدها، إذ لاينكر أن لعدونا قوته التي يستمدها من مكره وخداعه، ووحشيته في كثير من طباعه بل جميعها، إذ هو لايتورع في قتل الطفل والمرأة والشيخ، ولا يتوانى في حرق الزرع والضرع وهدم ما بناه الأجداد والأحفاد من تراث وآثار. وهو بهذا يسلك نهج هولاكو وجنكيزخان، وباقي الظلمة والفجار الذين سرد لنا التاريخ أفعالهم الدموية، وما كانوا يقومون به بدم بارد. فيجدر بنا ان نستثمر ماعلمنا إياه معلمونا، في كيفية التصدي لهؤلاء، وكما قرأوا لنا القصائد في “رفعة العلم”، يحثوننا فيها على التآزر والتلاحم والتعاون بيننا ونحن صغار، علينا اليوم -وقد كبرنا- وضع أيدينا بأيدي أخواننا من أبناء بلدنا في ساحات الوغى والنزال، وكذلك في ساحات العمل وميادين حياتنا الاجتماعية.
إن التاريخ يشهد لنا نحن العراقيين بتحلينا بخصال جميلة، نعتز بها كأولي حمية وغيرة وشهامة، لاسيما حين يمس الأمر أرضنا وعرضنا، وهو ماحصل في حزيران المنصرم في محافظة نينوى، وبعض المدن العراقية، الأمر الذي حرك فينا جميعا روح النخوة، وهذا مادعا أكثر من مليوني متطوع في غضون أسبوع واحد من بداية دعوة المرجعية للجهاد، الى الذهاب الى سوح المنازلة ومقارعة العدو أنى تكون قوته وقدراته، ومن المؤكد أن شيمتنا كعراقيين هي ذاتها منذ القدم، فقد سبق أن هب العراقيون بالـ (فالة) والـ (مگوار) في ثورة العشرين ووقفوا أمام دبابات (لچمان) ومدافعه الانگليزية، وكان النصر حليفهم.
نسمع بين الحين والآخر تطمينات من قادة أمنيين وعسكريين، فضلا عن تطمينات القائد العام للقوات المسلحة شخصيا، عن قرب موعد تحرير الموصل وباقي الأراضي العراقية من كابوس داعش، إذ في تصريحات عديدة أشار حيدر العبادي الى أن القضاء على عصابات داعش بات وشيكا، ومن المؤكد أن خبرا كهذا يبعث الأمل في نفس كل عراقي شريف، بأن العراق بأيادٍ أمينة حريصة على سلامته.
فقادم الأيام إذن..! كفيل بإعطاء الصورة الحقيقية للعراقيين الأصلاء، وهذا يتطلب تفعيل اللحمة والمؤازرة فيما بينهم، لإرجاع المياه الى مجاريها بعد أن سالت الى غير مجرى بفعل خونة جبناء، سلموا الأرض الموكلين بحفظها الى باغين قادمين من خلف الحدود، بعد ان قبضوا ثمنها وأثمان قيم أخرى أولها الشرف، وآخرها الغيرة.. ومابينهما كثير.. كثير.