حدثان في السيرة النبوية يبينان معنى الشرعية والمشروعية ومن يقررهما
الأول عندما خرج الرسول والمسلمين مهاجرين وانصار في طلب قافلة أبي سفيان واصبحوا أمام حشد قتالي، طلب ﷺ البيعة على المواجهة لمقاتلي قريش خشية أن يمتدوا إلى هجوم المدينة، فأجابه المهاجرون في كلامهم ، واستمر يطلب الراي إلى أن قال سعد بن معاذ (لعلك تريد الأنصار يا رسول الله ، قال رسول الله نعم) فقال سعد مقولته المشهورة (والله لو خضت بنا البحر لخضنا معك ما تخلف منا شخص واحد…..)، نلاحظ أن الرسول كان مكتسبا للشرعية من الأنصار وهو لم يفقدها خارج المدينة بحكم بيعة الأنصار له وتنصيبه حاكما على المدينة، ولو كانت الحرب داخل المدينة لما طلب إلا المشورة في آلياتها كما فعل عند آبار بدر واعتمد راي الخبرة من صحابي لم يذكر اسمه في غير تلك الواقعة، لكن الحرب خارج المدينة والبيعة لا تسري في القرارات التنفيذية خارج المدينة، فقرار الرسول الحرب لم يك ذا مشروعية لولا موافقة الأنصار.
الثاني: بيعة الشجرة: لا أريد سرد القصة فهي معروفة، فالمسلمون خرجوا لحج ولم يحملوا إلا سيفهم وهو سلاح دفاع وليس حرب، فعندما اشتبكت الأمور وكادت تتحول إلى حرب بالظن أن عثمان بن عفان (رض) قد غدر به، دعا المسلمون وهذه المرة كل المسلمين أنصارا ومهاجرين لبيعة الرضوان.
هذه حالة أخرى تبين الفرق بين الشرعية والمشروعية في اتخاذ القرار، وهي من تراثنا في الحكم والقيادة، ولا يعني الانتخاب تخويل شامل بكل الأمور والتصرف بها ولا يعود للجمهور في المستجدات، ا وان مراجعة شرعيته ممكنة!
الشرعية هي مصطلح ضمن مفهوم اشمل سياسي ويكون عند منح الثقة غالبا لأي مسؤول في الدولة، أما المشروعية فهي مصطلح قانوني ضمن المفهوم الأشمل وهو في الإسلام الشورى، وهذا يأتي من الحكم على سلوك المنتخب إن كان صوابا أم خطأ أم انه تجاوز حدود الصلاحيات الممنوحة له، أو أمانة المنصب والمكان.
فهو سلوك تبادلي في الصواب يؤيد وفي الخطأ يقوّم أي يعدل أو ترفع اليد عن الاستمرار بما يعود إلى نزع الشرعية والتخويل، بها لان الأساس بالشرعية هي للمجتمع ويخول الشرعية لأناس تقوم بعمل مشروع وفق القوانين والأعراف النافذة، وتعود بالمستجدات إلى أصل الشرعية لان عملها لن يكون له مشروعية.
ذات الفكرة في إدارة أي مؤسسة، حيث أن الإدارة تخول أما بإدارة تفويض أو إدارة تنفيذ، إدارة التفويض لها الصلاحيات الكاملة في المعروف من العمل، وتعود لمن فوضها فيما عداه، أي لها الشرعية والمشروعية فيما ذكرنا، أما إدارة التنفيذ فمشروعيتها بقدر ما يسمح لها لتنفيذ امر أو خطة أو منشأ معين، وترجع لمن خولها في كل الأمور المالية والتغييرات الإدارية، في الفصل والتعيين، زيادة كميات أو حذف فقرات.
إن الفوضى في حياتنا والانطباعات التي ترسخ تجعل من الحيرة ظاهرة ومن ضياع معالم ومعاني النظام أمرا مجهولا حتى عند من يتصدى للعمل في أي منظومة في هذه الفوضى، فتصبح وكأنها تفاصيل منسية بينما هذه التفاصيل ضرورة للحياة الكريمة والكرامة الإنسانية.
المشكلة أنها تصبح كساحة الحركة فيها عشوائية فعندما يدخل إليها من يسير وفق نظام المرور فلن يخرج سليما، هذا الأمر عندما يصبح خارج نظام الفوضى إن صح التعبير منكرا (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ.) [ النمل: 56]
الحقيقة أن ما قام به الرسول وان فُقِد من المسلمين في عصرنا، فان يطبق بطريقة وأخرى ضمن عرف وقانون في الدول الديمقراطية اللبرالية، ونلاحظ عودة الرئيس الأمريكي للكونجرس، وأحيانا الكونجرس يقيد مشروعيته رغم بقاء شرعيته، ورئيس الوزراء البريطاني وتقديمه إحاطة لمجلس العموم.
شرعية تفرضها نظم تتوخى العدل أو التشاور من الشورى سواء على مستوى عائلي أو دولي، وتبقى الأمور عرفية وان وجد فيها قانون كسلوك رب الأسرة وقراراته التي تعتبر غير مستنكرة من أسرته، وقادة الدول الذين لهم تاريخ أو مكانة عرفية عند شعوبهم وشيوخ العشائر وغيرها، هنا تختلط الشرعية والمشروعية لأنها تصبح سلوكيات متعارف عليها حتى لو وجد قانون قد يصفها بشكل ما لكن يبقى العرف مكتسبا للشرعية.
الشرعية الدولية والشرعية السياسية والشرعية القانونية، هذه توحي للسامع بمصداقية لكن لا واقع لها فالشرعية الدولية غير معرفة قانونا ولكنها مفهومة أنها فرض إرادة مجموعة الدول ذات الأنماط المتقاربة وهي إرادة الدول الغربية بشكل أوضح لكنه امر معروف عند الناس وتؤخذ عليه إجراءات أحيانا ترسخ في المنظمة الدولية كواقع حال لتكييف ما خرج عن المشروعية المقرة في القوانين الأممية.