تمر الذكرى التاسعة والخمسون لإنقلاب ” ثورة” الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٨. يوم يتذكره القلة ممن عاصروا ذاك اليوم. وشاهدوا أحداثه. ومناظره، ببشاعتها، التي بقت في الذاكرة، ولا يمكن مسحها، وأنتجت ثقافة، مازال العراقيون يعانون من تركتها، حتى الآن، رغم مضي أكثر من نصف قرن، على تلك الأحداث المؤلمة. ثقافة القتل خارج إطار القانون، والقتل المضاد، والتغييب، والتعذيب، وأشكال مبتكرة من القتل، كالمقابرالجماعية، والقتل على الهوية، والقتل والرمي في المزابل. ثقافة لم تكن مألوفة قبل إنقلاب ١٤ تموز. حقبة حكم ما يسمى بالشرعيات الثورية، والطبقات المسحوقة، والعمال والفلاحين، وغيرها من الشعارات الثورية، التي لم تستطع تبرير وجودها، إلا بأساليب القوة، والقهر، والتسلط، وهدر كرامة الإنسان العراقي.
لم يكن النظام الملكي من غير عيوب. ولم يكن هو النظام الأمثل. وعيوبه كعيوب كل الأنظمة الديموقراطية، التقليدية، والعريقة منها، والديموقراطيات الحديثة أيضاً. ولكن النظام الملكي كانت فيه الحريات مصانة، وفسحة من الليبرالية، وحرية التعبير غير مقيدة تماماً. وهناك صحافة موالية، وأخرى معارضة. وأحزاب تتشكل وفق القانون. إلا المعارضة السرية التي تتحمل كامل المسؤولية في تأليب الرأي العام، على نظام الحكم. وشيطنته، وتصويره لعموم الشعب العراقي، أنه نظام مرتبط بأجندات أجنبية، إستعمارية، صورت بمبالغة، وبغير حقيقته، بحكم طبيعة، وظروف المنطقة، آنذاك، وإن الطبقة الحاكمة معادية لتطلعات عموم الشعب العراقي. ولم يكن في حقيقته هكذا. وعلى الرغم من إن الأحزاب المسؤولة عن سقوط النظام لم تعترف لحد الآن بتلك المسؤولية، وبذلك الخطأ التأريخي، لكن ما من شخصية حزبية، أو وطنية، عاصرت تلك الأحداث، إلا وأقرت بذلك، سواءاً، في أحاديث، وتصريحات علنية، أو غير علنية، أو في صالونات، أو ندوات، ثقافية، أو إجتماعية. وبمراجعة تأريخية، لعموم إنجاز الحقبة الملكية، ومقارنتها، بالحقبة الجمهورية ” الثورية”. تجد أن سلوك الدولة الملكية، جاداً لبناء دولة حديثة، كان سلوكاً متدرجاً في جميع مناحي الحياة، الإجتماعية، والثقافية، والحضارية، والإقتصادية، والمالية، والزراعية، والتجارية، والعمرانية. وتخطيطية، ومن لا يذكر مشاريع مجلس الإعمار، بفخر، وبإعتزاز. فيما كانت الحقبة الجمهورية، كما تعرفها الإجيال الحالية، مبنية على العشوائية، والتفرد،” الديكتاتورية”، أساسها التخبط، وسوء الإدارة، وبإستعراض بسيط لإمكانيات، ومؤهلات، الحاكمين منذ ذلك التأريخ” أغلبهم من العسكريين” وحتى العصر الحالي، تكتشف حجم المأساة التي مر، ويمر بها العراق. ولم يستطع أحد، أن يخلص الى إضفاء شرعية ما، الى ما حدث صبيحة الرابع عشر من تموز. رغم أطنان الشعارات، والأناشيد الثورية التي قيلت فيها.
وبهذه المناسبة المؤلمة، في تأريخ العراق المعاصر، ولكي لا تتكرر المأساة، مرة آخرى، فمن المفيد جداً، أن يعرف الجميع، إنه، وجد الجيش لمهمتين، أساسيتين، فقط، ليس هناك غيرهما، وهما، صون الحدود من إنتهاك، وأطماع، الأعداء الخارجيين، وحماية الشعب عند تعرض البلاد الى عدوان أجنبي.
هذه هي المهمة التي بنيت عليها فلسفة الجيش، في أغلب بلدان العالم المستقرة. وللجيوش عقيدة قتالية لتنفيذ هذه المهمة، تختلف من بلد الى آخر، حسب المعتقدات المختلفة لتلك البلدان. لم تكن للجيش مهمة موكلة اليه، هي التدخل في الأمور السياسية، في أي عقيدة عند جيوش العالم المحترفة، ولا من واجباته أن يفعل ذلك. وتجربة مدمرة واحدة تكفي العراق، الذي لحد الآن يعاني منها، وللمؤسسة العسكرية العراقية الإحترافية، كل تحية، سيما، وهي تسجل إنتصاراتها الموفقة على قوى الإرهاب، لها، كل الحب، والدعم، والتطوير لقدراتها، وكل التقدير.