تعد الشخصية من المنظومات المهمة التي يقوم عليها البناء الدرامي فهي التي تقود الفعل وتؤجج الصراع وتحدث الذروات وتؤدي إلى التطهير ، وأن كل التيارات الفنية سواء الكلاسيكية أو الحديثة تمردت على البني الأرسطية واستطاعت ان تختلف مع البناء الأرسطي في اغلب تفصيلاته ، إلا الشخصية بقيت هي المحور الذي ترتكز عليه كل البنى الدرامية ، وقد عرف إبراهيم حمادة الشخصية بأنه الواحد من الناس الذي يؤدون الأحداث الدرامية المكتوبة أو على المسرح في صورة الممثلين ، ثم يعود ليعرفها في مؤلف أخر بأنها “المصدر الأساسي لخلق سلسلة من الأحداث التي تتطور من خلال الحوار والسلوكيات العامة والخاصة ، من خلال ما تقدم نرى إن الشخصية هي المقود الذي يسير بالأحداث ، وهذا صحيح ولكنها أيضا هي الحامل لكل تفصيلات البناء الدرامي فهي التي تكشف الفكرة وتؤجج الصراع ونتعرف إلى الجو العام من خلالها وهي التي تؤدي إلى التطهير أو التنوير أو التغيير ، وتعدد أنواع الشخصيات في العمل المسرحي من رئيسية إلى مركبة إلى ثانوية وما إلى ذلك ، ولكن الدكتور علي كمال وفي تصنيفاته لأنواع الشخصيات يرى إن هناك نوعاً مميزاً منها هو الشخصية الخلاقة الإبداعية ، والتي يعتقدها من الأنماط التي أثارت انتباه الباحثين والمختصين ودفعهم إلى تفكيك بنيتها الداخلية ومنظومتها العلائقية مع صفات العبقرية، ” ، ويصف ظاهرة اقتران الشخصية بالعبقرية بأنها شاذة وغير طبيعية، ولا يستطيعها البشر ، وقد أكد علماء النفس والاجتماع مثل الدكتورة نعيمة الشماع على إن الشخصية الخلاقة هي من الشخصيات الإنسانية المتكاملة فكريا ونفسيا وعقائديا وأخلاقيا إلى حد ما ، وهي شخصية نموذجية نجدها في الكثير من القادة والمفكرين والعظماء وهي غاية سمو الدراما بكل أشكالها ، وقد حفلت العديد من النصوص المسرحية التي زخرت بها الذاكرة المسرحية بالعديد من هذه الشخصيات النموذجية مثل شخصيات شكسبير التي ولدت من عبقرية في الصياغة والبناء و أصبحت نماذج كبيرة مثل هاملت وكيلوباترا وعطيل والملك لير وماكبث حيث بنيت شخصياتهم على شخصيات نموذجية ، ولو عدنا إلى أنموذج الدراسة وهو الشهيد سلام عادل في مسرحية (موت لم يكتمل) للمخرج حسين فالح نجد إننا أمام شخصية أنموذج في الدراما المسرحية ، فقد أوحى لنا العنوان بذلك من خلال البناء الدلالي للمفردات ( لم يكتمل ) والتي تحيلنا بتركيبها ألاتفاقي إلى النص القرآني ( بل أحياء عند ربهم يرزقون ) ، أذن نحن أمام غائب حاضر وهنا تتفق المرجعيات الذهنية على إننا أمام شخصية نموذجية ولو تابعنا بطل المسرحية (احمد كريم) والذي أدى دور الشهيد سلام عادل نلاحظ أن اشتغالات الجسد الدلالية حاولت أن تتعالق مع الحوار الذي أحالنا بدوره إلى شخصية نموذجية كرست حياتها وموتها من اجل عقائد سامية ومقدسة أصرت على الثبات لها ومن ثم نقلها إلى الأجيال القادمة وهذا ما فعلة المؤلف والمخرج حينما استنطقا هذه الشخصية من اجل إسقاط مفاهيمها السامية على المتلقي لأحداث التطهير الأرسطي لديه ، أن البناء الدرامي للشخصية النموذجية قائم على ضخ كم هائل من القيم والمؤهلات التي تمتلئ بها الشخصية لاستمرار تدفقها بشكلٍ مميز وحي على طوال العرض المسرحي إضافة إلى إن هناك ترابطاً عضوياً في شكلها ومضمونها ، وهذا ما لاحظناه على مسيرة العمل من خلال منظومة البطل التي بيناها سابقا والمنظومة الخارجية المتعالقة مع البطل والمتمثلة بزوجته نرجس والتي أدت دورها بامتياز الممثلة (رجاء تركي ) وابنه ، حيث نرى الحواريات التي قامت بها الزوجة مع المحقق الأمني عملت على إضفاء طابع الثبات على الموقف والعبقرية والإبداع وعلى الرغم من عدم لقائها بالشهيد في اغلب فترات العمل ، فضلا عن الاشتغال الرمزي للبناء السينوغرافي حيث نرى دلالات مثل ( الكاروك ، السرير) اشتغلت هي الأخرى مع فيض الإضاءة الخضراء في هيمنة هذه الشخصية على بنية النص المسرحي ، وهذه الشخصية (النموذج الدرامي) كما بينا سابقا طرحت في العديد من عروض المسرح العراقي الشعبي في وقت مبكر كما في شخوص ادمون صبري و قاسم محمد وجليل القيسي وآخرين، مسرحية موت لم يكتمل خرجت من جلباب السيرة الذاتية إلى الرؤية الفنية والجمالية لأدب السيرة الذاتية في المسرح العراقي من خلال التشكيل المتميز للبناء الصوري الذي قدمه المخرج حسين فالح ، المسرحية لفرقة تموز المسرحية في محافظة كربلاء من تأليف حسين فالح ، سلام القريني وإخراج حسين فالح وبطولة رجاء تركي واحمد كريم ووداد هاشم وحسن النصراوي ، وعرضت في بناية قصر الثقافة والفنون بمحافظة كربلاء بمناسبة يوم الشهيد العراقي .
* الكلية التربوية المفتوحة