يذكر المؤرخ الاسلامي ابن كثير في كتابه البداية و النهايه تأريخا لأحداث بغداد في عام 367 هـ ( و زلزلت بغداد مراراً هذه السنه و زادت دجلة زيادةً كبيرة غرق بسببها خلقٌ كثير ، و قيل لعضد الدولة : إن أهل بغداد قد قلّوا كثيراً بسبب الطاعون ، و ما وقع بينهم من الفتن بسبب ” الرفّض و السنّه ” و أصابهم حريق و غرق ، فقال : إنمّا يهيّج الشر بين الناس ، هؤلاء القصّاص و الوعّاظ) انتهى .
و بعيداً عن اتهام عضد الدولة للقصّاص ( الطبقة المثقفة ) و الوعّاظ ( علماء الدين ) بإثارة الفتنة بين الناس ، و هذا ما يذكرنا بالدور السيئ الذي يلعبه هؤلاء بإثارة النعرات الطائفية و المذهبية بين أبناء المجتمع العراقي الواحد اليوم ، إلّا أن تلك الأحداث المذهبية في زمن ابن كثير بين ( الرفّض و السنه ) او الشيعة و السنّه ، و تكرر ذلك المشهد في حاضرنا اليوم بعد ما يقارب ال 1068 سنه، ( و لا نعلم بالضبط كم مرة تكرر هذا المشهد طوال هذا التاريخ فعلاً ) ، فهذا ما يدعونا للتساؤل و البحث في سيسيولوجية الشخصية العراقية !!
شخصياً اعتقد انه من البديهي تماماً و الطبيعي ان يتجه الانسان نحو التخندق الطائفي ( بمعناه الانفعالي او العاطفي ) أثناء الأزمات المذهبية و الطائفية و الفتن تحت مفهوم ( الإحتماء بالقبيلة )، ولكن عندما يتجه هذا التخندق نحو ( الفعل الطائفي ) فهذا ما يدعونا للبحث في مدى تأصل ثقافة العنف في اللا وعي الجمعي للمجتمع العراقي و عن مدى استعداد الشخصية العراقية للاستجابة الى ثقافة الدم ، و لا يمكن مطلقاً الإكتفاء بإلقاء اللوم على الخطاب الطائفي المتطرف من ( القصّاص و الوعّاظ ) .
فالشخصية العراقية كما يبدو لا تؤمن بأنصاف الحلول أو ( أنصاف الأفعال ) ، فالعراقي عندما يعشق فهو يعشق حد التطرف ، و عندما يتعلق الأمر بإكرام الضيف فلكَ أن تسأل القاصي و الداني عن الكرم العراقي الأصيل و في أحلك الظروف و الذي يصل حد التبذير في أغلب الأحيان ، و عندما يتعلق الأمر بالحرب فهو مقاتل شرس تشهد له ساحات الوغى ، و كذلك عندما يتعلق الأمر ب ( القتل ) فهو لا يكتفي بالرصاصة ، بل يسعى دائماً الى ابتداع وسائل جديدة و مبتكرة لقتل ضحيته لا تنتهي ( بذبح ) الضحية أو تقطيعه ، أو حرقه حياً فيما يشبه الطقوس الوثنية !!!!!! .