نجد في الاعلام في مختلف الاتجاهات والساحات العالمية تداخلا بين ( الشخصنة والخصخصة ) ، ويصل أحيانا الى حد يصعب الفصل بينهما ، وهي مسألة طبيعية عندما تكون في اطارها المهني الموضوعي …لكن متى تكون الشخصنة مرفوضة وضارة ..؟..
…عندما تتعارض مع قواعد المهنة الاعلامية – وهي بالاساس تخاطب عواطف الناس وتناغم عقولهم معا – ومع اخلاقها التي تتحول في ما بعد الى سلوك وثقافة في المجتمع …فكيف يمكن للمالك ان يغير القناعات والاراء بما يفيد المجتمع من خلال مشروعه الاعلامي ، اذا كان يرى مؤسسته في النهاية أنها مشروع ( شخصي ) له ، بكل معانيه الاعلامية والثقافية والتربوية والمادية .. فهو من يقرر الخط الاعلامي ، وطبيعته قبل التأسيس ، ويشرف عليه لاحقا ، ويفرض أراءه بغرض تطبيقه ، حتى وإن كانت على حساب المهنية ..أو : يفرض أراءه عن طريق أخر ، وذلك عندما يتعامل مع العاملين على انه الممول المالي ، وبيده قرار غلق المؤسسة وفتحها ، ويُعد ( ولي نعمة ) من يعمل فيها ، اذا كان من ماله الخاص ، أو يكون هو في الواجهة مع جهة التمويل المستترة ، أو الظاهرة .. وتصبح المهنة في هذه الحالة أسيرة جهة التمويل ، وقد يؤثر ذلك على منهجها في الحيادية والنزاهة والدقة والموضوعية واستقلالية المؤسسة ، ناهيك عن الابتعاد عن اخلاقية المهنة ومواثيقها وغاياتها وانعكاس ذلك على صدق رسالتها ، لان الاعلام ( رسالة قبل ان يكون مهنة ).. فما الفرق اذن بين الشخصنة والخصخصة في الاعلام ..؟
في الاولى ينصرف الذهن الى ( الانا ) المحض ..
وفي الثانية الى القطاع الخاص كأحد أنواع النشاطات الانتاجية والاعلام واحد منها ..الاولى مرفوضة اذا كانت بعيدة عن الموضوعية ..
والثانية طبيعية ، لان القطاع الخاص اصبح السائد اليوم في كل المرافق الانتاجية والخدمية ومنها الاعلام .. والفارق بين الاعلام والقطاعات الاخرى في هذه النقطة …
وهي : أنه في القطاعات الاخرى يختفي اسم صاحب المشروع والممول خلف إنتاجه ، ويذوب فيه ، فهناك مشاريع لا تعد ولا تحصى لكن لم يعرف المستهلك مالكها الذي يكفيه أن يتصدر اسم مؤسسته وعنوانها ويُعرف انتاجها ، و( ماركتها ) المتميزة وسمعتها ، و هذا يرضي طموحه وهدفه في النهاية ، بما يحصل عليه من عائد مادي وسمعة اقتصادية واجتماعية ..
أما في الاعلام فيُعرف اسم مالك المؤسسة مباشرة ، أو بعد حين ، وبالتأكيد تعرف سياستها ومنهجها من اسمه خاصة ، اذا كان معروفا ، وحتى ممولها من خلال توجهها الاعلامي وخطابها السياسي …
وبذلك يكون مشروعه قد قدم له افضل عائد اعتباري ايضا ، وهو الشهرة التي كان يفتقدها ، وربما تفتح له الابواب لدخول مجالات اخرى يكسب بها أكثر وحسب اهدافه …
وفي كل الاحوال …يُعد الاعلام مهنة عامة للمجتمع في الغاية ، وان كانت خاصة في الملكية ، ونجاح المشروع الاعلامي يكمن في الابتعاد عن ( الخاص ) والتركيز على العام الذي يحتوي الجميع ، وتكون المهنية هي المعيار الحقيقي في التقويم ، والتركيز على هدف المشروع الاعلامي وهل يكون في خدمة صاحبه ، أو في سبيل الوطن والشريحة المعنية التي يخاطبها ، ورائده الحقيقة والموضوعية وان كانت مرة في مذاق مالكها ..
ذلك هو المهم ..
وتلك معادلة صعبة لكن ليس من الصعب فك رموزها عندما يندمج الوطني العام بالخاص المقبول ..