ما اقصده بالشخصنة هنا تحديدا – بعيدا عن ارتباطاتها ومعانيها الاخرى – ربط الموضوع بالحالة الذاتية اي بالامور الشخصية ، خارجا بذلك عن هدفه ومنهجه وطبيعته ودوره المتعارف عليه …
والخصخصة ظاهرة عالمية ، لم تقتصر على القطاعات الانتاجية فقط ، بل شملت كل مرافق الحياة ومنها الاعلام ايضا ، وخاصة بعد ثورة المعلومات والتكنلوجيا …
وعندما تقيس المؤسسات الرسمية في الاعلام اليوم تجدها قليلة تجاه التوسع الكبيرفي المؤسسات الاعلامية الخاصة … فغالبا ما يقتصر دور الدولة على قناة رسمية واحدة ، وصحيفة تنطق بلسان الحكومة ، ومؤسسات معينة تدار برتابة وروتينية جامدة ..
ولك ان تتصور دورها وحجم تأثيرها امام الفضاء الواسع المليء بشبكات التواصل والفضائيات وغيرها…
وما دام توجه العالم نحو الخصخصة فلابد من التفريق بينها وبين الشخصنة في الاعلام .. وهذه مهمة تقع على المتلقي بالدرجة الاولى ، ما دام هو المقصود في النهاية بالخطاب الاعلامي للوسيلة الاعلامية ، وبيده مفتاح الاختياروالتقويم ( الريموت كونترول ) ويتحكم به ، وليس صاحب رأس المال او الدولة ..أن ( جزءا كبيرا من أزمتنا أن الاعلام غلب فيه الجانب الشخصي على العام …) .. هكذا يرى الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في إحدى مقابلاته مع قناة ( سي بي سي ) الفضائية المصرية قبل رحيله بوقت قصير ..فهل يصلح أن يكون هذا الرأي عاما ، وليس خاصا ببلد دون أخر ، أو بوسيلة اعلامية دون غيرها … ؟.. وكيف .. ومتى ..؟..يمكن معرفة ذلك ببساطة وذلك عندما تطغى ( الشخصنة ) في الاعلام – سواء في الملكية الخاصة له ، أو في الاراء عندما ( لا تحكمها روابط او ضوابط ، بل اعتبارات شخصية ) على حد تعبير هيكل ..؟.. ولذلك كان الراحل الكاتب الصحفي هيكل واضحا في موقفه وهو من ( أنصار أن يبتعد الاعلام عن رأس المال ، لكي يكون الاعلام ذا اجنحة ترفرف دون حبل خانق ) ….وهذا الرأي يتحمل وجهات نظر ، ويثير مخاوف و يطرح جملة تساؤلات منها .. هل الملكية الخاصة للاعلام تخنقه ، وتحد من حركته ، وتجعله يسير باتجاه واحد ، حسب توجه المالك ، كما هو الاعلام في الانظمة الشمولية ، بدل أن يكون حرا ، يستوعب كل الاراء والافكارأم العكس …؟..
وهل من حق صاحب المال أن يشتهر ( بفلوسه ) ، من خلال الاعلام … ؟..
وهل من حقه أن يكون ( مناضلا ، وثائرا ووطنيا ومفكرا) ( بفلوسه) ايضا ، وعندها قد يحقق له الاعلام ما لم تحققه الانقلابات والجيوش والاحزاب لأصحابها ، والشخصيات غبر مسيرتها الطويلة في العمل السياسي والعام ..وكأنه يريد أن يختصر التاريخ في شخصه من خلال اعلامه و( فلوسه ) ، ويجيره لصالحه ، كما هو حال الحاكم في النظام الشمولي ..؟..
وهل يضمن المال له ما لا يضمنه لغيره ممن هو أجدر منه ، ويصبح أمام الجماهير ـ ليس مفكرا ومناضلا فحسب – بل يكون موسوعيا بكل فنون السياسة والاعلام والثقافة والدين والرياضة والفن وحتى المنوعات بحكم امتلاكه هذا المرفق الاعلامي ، وهذا ما لا يدعيه أحد في زمن التخصص ..؟..
وهل اصبح مقياس العالم اليوم هو أنه لا يهمه التاريخ بقدر ما يحضر المال ، ولا يعنيه الفكر بقدر ما تستهويه الشهرة ..وهل الشهرة هي أثمن عائد من المال في الاعلام .. وكل شي ء بثمنه كما يقال ..
وهل فعلا ( كل مصائبنا تنطلق من الفضائيات ) كما يقول الشاعر العربي الكبير فاروق جويدة ..؟ وهل ( أصبح الاعلام اليوم بالفعل من اهم اسلحة الدمار الشامل ) ؟….
اسئلة كثيرة يحدد إجاباتها الواقع والنتائج وقيمة ما يُنتج ، وهي توضح طبيعة العلاقة مع الاعلام واهميته ودوره المؤثر في حياة الامم والشعوب ..في التراجع او التقدم …وفي البناء او الهدم … وفي الانتصار او الهزيمة ، ويمكن ان تعرف من خلاله مستوى الامة او الشعب … فالاعلام مثل الكيمياء ، تتحكم عملية تفاعل المواد ونوعيتها ومقدارها في النتائج ، وتعطيك المادة التي تريد انتاجها حسب الطلب ، وشتان بين تفاعل انشطاري يدمر العالم ، وتفاعل لانتاج ما يقدمه ويزيده رفاهية وسعادة وتطورا وبناء عاليا ..