23 ديسمبر، 2024 1:33 ص

(( أنزل الشتاء رحاله من صهوته السنوية مبكرا وهو يمسك بذراعيه القارسة القاسية على أيام السنة بقسوة وعلى غير عادته الموسمية وفي يوم من ايامه الممطرة بقطراتها الغزيرة التي تمنح الجو دفئا جميلا ومنظرا رائعا وتناغم قطرات المطر المتساقطة والمتسارعة على الارض تضيف للصباح روعة . وفي أحدى الصباحات الشتوية كانت السماء مدلهمة بغيومها الحبلى بالغيث لا يعرف متى تسقط خيرها على الارض خرج ( صلاح ) الشاب الوسيم بشياكته وهندامه المعهود بها الى عمله صباحا لانتظار سيارة الدائرة الخاصة بهم وما هي الا لحظات أستدار فجأة الى يمينه ليرى فتاة جميلة يحاكي وجهها قرص الشمس الغائب خلف الغيوم الرمادية في السماء لتعوض اشراقها اليومي ويزيد جمالها هو حجابها الملتحفة به بكل كبرياء له دلالته بالعفة والاخلاق وما هي الا لحظات حتى تتوقف سيارة صغيرة امامها لتركبها على عجالة من امرها تاركة نظرات ( صلاح ) شاخصة تلاحقها , وفي اليوم الثاني كان اكثر حماسا واكثر شوقا ولهفة خرج كانه على موعد ينتظره أو شيء يشده اليه لا يعرف ما هو سوى شعور غريب يبعث الهدوء والطمأنينة وانفراجا للسريرة .لم تكن سوى دقائق قليلة واذا بالفتاة تتجلى من قريب الى الشجرة لتقف بجانبه غير مكترثة له لكن هذه المرة وجد ( صلاح ) في قلبه وعينيه الشجاعة والجرأة في التمعن وتنفس عبير عطرها الذي تنثره من حولها كانه يشم زهرة جميلة زكية قطفها من بستان للزهور جعل احساسه اكثر انجذابا لها ليتفرس وجهها بدقة وخلسة استحياءا منها لأنه عرف انها تبادره نفس الشعور الاستطلاعي . وفي يوم كان شديد المطر والجو مضطرب جدا حيث المطر يتساقط كالحجارة والبرق يخطف الابصار والرعد يصم الاذان كان صباحا رهيبا وقف ( صلاح ) على غير عادته مترقبا خائفا قلقا حامل همها رمقها بنظرة من بعيد وهي تركض صوب الشجرة تلوذ بوجهها من المطر المتساقط الذي يثقل حجابها ويألم بشرتها الرقيقة أراد ( صلاح ) لا شعوريا أن يركض اليها كي يأخذ بيدها يذود عنها لسعات المطر من على جبينها ووجنتها الطرية الا ان الحياء أخذه ليشده الى جذع الشجرة بقوة لكنه كسر قيود الحياء وركض مسرعا حاملا مظلته الصغيرة ليظلل على راسها حتى يصلا الى الشجرة أخذت انفاسهما تهدأ شيئا فشيئا زال حاجز الصمت والخجل بينهما كالمشرف على الغرق يلتمس لوح من الخشب ليفتح المجال للتعارف فيما بينهما حيث سالته عن مكان عمله ودائرته نزلت هذه اللحظات انقاذا له ليرسم الخطوط العريضة في كيفية مد الجسور لما يشعر به اتجاهها . مرت الايام يوما بعد يوم و( صلاح ) وحبيبته يعلقون كل يوم آمالهم ومحبتهم واشواقهم على أغصان الشجرة الطيبة المباركة التي تحتضن حبهم يوميا , بعدها لملم الشتاء حقائبه وايامه ومطره وبرودته ومشاكله كلها معلنا الرحيل مسلما المهمة الى جمال الربيع ليفسح المجال لتأخذ الارض زخرفها وتتزين بالجمال والحلل الربيعية واللقاء يتجدد يوميا بينهما . أستغل ( صلاح ) أحدى الصباحات ليبوح لها بأعجابه الشديد والانجذاب لها لما رأى منها من الاخلاق العالية الحميدة وعائلة يشار لها بالبنان من الادب والتربية والسمعة الحسنة ليعلن لها رغبته بالاقتران بها كشريكة للحياة المستقبلية ويتوجا حبهما الى سعادة دائمة مستمرة أبدية يسطرا خطوطها العريضة معا لما تبقى من عمرهما وكان لهما ذلك حيث كانت الشجرة المباركة شاهدة على لقائهما وحبهما وعقد قرانهما )
_