18 ديسمبر، 2024 5:40 م

الشبيبة الثورية من لاّمبالاة الانتظار إلى المشاركة المؤثرة

الشبيبة الثورية من لاّمبالاة الانتظار إلى المشاركة المؤثرة

استهلال:

” المشكل يتمثل في معرفة ما إذا كان ماهو حقيقي بالنسبة لمجتمع الكتلة هو حقيقي أيضا بالنسبة لثقافة الكتلة”1[1]

ظل الشباب مفهوما غائبا عن التأصيل النظري في المرجعيات السياسية بالرغم من الحاجة الأكيدة إليه عند التنفيذ وفي مستوى تطبيق المخططات ومد الجسور مع الشعب وتدعيم الاتصال المباشر بالجماهير.

هذه المفارقة تكشف عن ما تعانيه الشرائح الاجتماعية الشابة من محاصرة وتهميش وازدراء على الصعيد النظري وعن استغلال وتوظيف وهيمنة تتعرض لها من طرف حراس الإيديولوجيا الزائفة والمعبد والسلطة. في الغالب تقود الحماسة الثورية معظم الشباب إلى التأرجح بين التمرد على الواقع والخروج عن قيم الأسرة وعادات المجتمع واكراهات الانضباط المؤسساتي والارتماء بين أحضان الماوراء والتعلق بالمطلقات والعزوف عن العمل والانسياق وراء شبكات الفساد والجريمة والالتحاق بالمنظمات العنيفة والمعولمة.

بيد أن معظم الحركات السياسية الثورية تبني برنامجها التنظيمي والدعوي على استقطاب هذه الشريحة واستثمار قوتها في التكتيك والمناورة والاستراتيجيا والتعويل عليها في الضغط والتحشيد وإحكام قبضتها على الشارع والسيطرة الإيديولوجية على مفاصل الفضاء العام وتمكينها من التعبير عن نفسها من خلالها تشكيل وعي ثوري يدفع إلى افتكاك زمام المبادرة والانخراط في العصيان المدني السلمي من أجل تغيير السائد والانتقال من عالم قديم هرم إلى عالم جديد نشط وتجديد خلايا الجسم الاجتماعي بضخ دماء جديدة.

يمكن بناء الإشكال الشبابي في ظل السياق الاجتماعي المتوتر وقوة التجاذب السياسي وتعاظم التحديات الحضارية وتفاقم الأزمة الاقتصادية وضعف القدرة التشغيلية للمؤسسات العمومية وتردد القطاع الخاص في التعويل على خرجي الجامعات وتبرير ذلك بقلة الخبرة وضعف المستوى التعليمي من جهة التطبيق.

لكن ماذا تمثل الشرائح الشابة من المجتمع البشري؟ هل هذه الشرائح مدمجة في مؤسسات الدولة أم توجد في الخارج وتشكل العصبي الحيوي لمعارضة السلطة الحاكمة؟ كيف تؤدي الشبيبة الثورية فعلا سياسيا في عالم اللاّيقين وزمن الاضطراب؟ والى أي مدى تتحول من وضع التهميش والقمع واللامبالاة إلى موقع المشاركة الفعلية في العملية التغييرية والتأثير الميداني على وجهة سفينة الديمقراطية إلى شاطئ الحرية؟

ما تراهن عليه لفلسفة الالتزام هو التعويل على الفئة الشابة من أجل الرد على التحديات بالثورة وتخطي الأزمة بالسماح بولادة عالم جديد خال من الشمولية والارتداد والتمييز ويكرس كرامة الإنسان وحقوقه.

1- خصوصية الشرائح الشابة:

الشريحة العمرية الشابة هي الفئة من الكائنات البشرية، إناثا وذكورا، التي تجتاز مرحلة الطفولة بصورة غير واعية وغير محددة وتكاد تبلغ مرحلة الكهولة دون أن تمتلك القدرات الذاتية التي تسمح لها بذلك.

تعاني هذه الشرائح الشابة من فقدان الثقة بالنفس والخوف من المستقبل وضبابية الرؤية وهشاشة في الموقف وتميل إلى المحاكاة وتحبذ التقليد وتقع في الحنين إلى الماضي وتتعلق بالمطلق والمثاليات.

اللافت للنظر أن الفئة الشابة من المجتمع تقع ضحية العنف السياسي الذي يعصف بالعلاقات بين الأحزاب المعارضة المنحازة للطبقات المسحوقة من حيث الموقع والمبدأ والقوى السياسية الداعمة للنظام السيادي للدولة من جهة المصلحة والوظيفة وبين هيئات وقوى المجتمع المدني وأجهزة السلطة السياسية الحاكمة.

كما تتعرض هذه الشريحة الهشة إلى الاستقطاب العقائدي وتتبنى الأفكار المغالية والتصورات المثالية الفارغة وتمارس نفيا مطلقا للواقع وتسقط بسهولة في اللاّتسماح والانغلاق والتعصب والحلول الحدية وتجد نفسها في نهاية المطاف في مصيدة الإرهاب المعلوم والتهريب المافيوزي والهجرة غير الشرعية.

بهذا المعنى ينضاف الاستغلال الجنسي إلى الاستقطاب الإيديولوجي والعنف السياسي والتخدير العقائدي وتساهم الشبيبة من حيث لا تدري في تشكل حشودا من العاطلين وجموعا من الخارجين عن كل تصنيف ويؤدي ذلك إلى تفجر أزمة هيكلية في المجتمع والبنية العلائقية للدولة ويتحول الوطن إلى بؤر تدمر ذاتها.

إذا حاولت هذه الفئة الشابة تأكيد الذات وإبراز حقيقة مواهبها وقيمة وجودها فإنها تسقط في فخ ملء وقت الفراغ والتسلية وتمارس الرياضة بشكل سلبي وتتعاطى المخدرات والكحول وتدمن على آفة لعب الورق. كما يرتبط العنف في مختلف تجلياته بعلاقتها بالأشياء والعالم والأشخاص وتهرب من خوفها الشديد من المستقبل لانعدام الآفاق بالغوص العميق في الحاضر ومحاولة امتلاك اللحظة وتحقيق المتعة المادية وما يترتب عن ذلك من شعور بالتوحد وتضخم الجسد في مقابل ترهل الروح وكثرة الاضطرابات النفسية.

2- أسباب الوقوع في اللامبالاة:

” يسهل خداع الشباب لأنهم يستعجلون الأمر…ولا يليق بالشباب التفوه بالحكم” – أرسطو-

لعل أسباب الأزمة الوجودية والفراغ الروحي والفقر المادي الذي تعيشه الشرائح الشابة ترجع إلى التبعية وغياب الاستقلالية وإيثار التواكل والتعويل على الغير وغياب روح المبادرة والكف عن تحمل المسؤولية.

تعاني هذه الشرائح من آفة الاغتراب في مستوى النظرة إلى الذات أولا وفي علاقتها بالمجموعة حيث تقع ضحية حل الامتثالية والتطابق التام مع الحشود ثانيا وفي إطار الصلة بالمحيط الطبيعي ومعنى العالم ثالثا.

لقد أدى هذا الوضع المهزوز الى تذويب الذات وتمزيق وحدة المجموعة والاعتداء على القيم الحضارية وتجفيف المنابت الروحية والنواة السردية للأمة وتسبب في احتدام بين الطبقات وسوء تفاهم تاريخي بين الأجيال والتصقت السلبية وانعدام الدافعية بالشباب وحدث مشاكل في التواصل وظهرت صعوبات في استعمال اللغة قصد الكلام وإجراء حوارات متمدنة في الفضاء المواطني وتنظيم نقاش عمومي مع الآخر.

قد يحوز الشاب في الحقبة المعاصرة على العديد من المعلومات من العالم المعيش وقد يتلقى جملة من الأرقام وتخزن ذاكرته عدة رموز ويتم الاحتفاظ بمجموعة من الصور في مخيلته وقد يتقاسم كل ذلك مع غيره ضمن الفضاء الافتراضي ولكن لم يقوم بتحويل المنجز إلى معارف مفيدة ومهارات عملية وأبقى كل ذلك بصورة مشوشة وغير منظمة وظل قانعا بالثقافة الكسولة والمعرفة الفاقدة للفاعلية والعلوم العاطلة.

والحق أن العولمة وسياسة التهميش التي تنتهجها مع الرأسمال البشري تعد من أهم الأسباب التي فاقمت أزمة الشبيبة وأفسدت عليها طريقة عيشها وأسلوب وجودها في العالم وحلت ماهي عادي وطبيعي عندها إلى اصطناعي وغير طبيعي وجعلت الحركة والصخب والتدمير تحل محل السكون والصمت والبناء.

من هذا المنطلق توجد عدة عوامل فردية واجتماعية تؤثر بصورة ضاغطة على معنويات المقبل على الحياة وتتحكم جملة من الشروط الاقتصادية في تصرفات الشباب وردود أفعالهم وفي عنايتهم بذواتهم.

في غالب الأحيان يفقد الشاب ثقته في ذاته وينتابه شعور بالتشاؤم ويدخل في دوامة عدم الثقة ويشك في إمكانياته وينتصر عليه اليأس عندما يصده الواقع ويرفضه المجتمع فتخور قواه وتنهار نفسيتها أمام شعوره بالعبث ويدرك بطريقة ملموسة بأن الجميع لا يرغب في رؤيته وفي بقائه فيقرر الرحيل إلى المجهول هروبا من الفراغ وفرار من روح الوجود الاجتماعي الثقيل وضغط مستلزمات الحياة عليه ويتنصل من كل مسؤولية ويتخلى عن كل المهام والواجبات التي أوكلها منطق الحياة إليه ويصير تائها في الوجود الفاقد للرحمة والشفقة تجاه كل امرئ أضاع البوصلة وانساق وراء المظهر والعابر بدل الجوهر والدائم ويجد الشاب في نهاية المطاف يدافع على كل شيء في الكون الا على خصوصية وجوده.

3- شروط الإقبال على المشاركة:

يقتضي الأمر بالنسبة إلى هذه الشرائح الشابة تشريح البنى العميقة وتثوير الذهنيات وتغيير معظم الأطر المعرفية والتركيز على تجاوز الأزمة الإبداعية للمغترب والاستفادة من تجارب الناقد العابرة للحدود وتحويل الفكر إلى رسالة والثقافة إلى التزام والعلم إلى عمل والأخلاق إلى مسؤولية والفعل إلى تضحية.

منح الشباب حق المواطنة المدنية يمر عبر التعويل عليهم في المشروع التحديثي وتشريكهم في القرارات المصيرية وتمكينهم من معرفة الوضعية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي تمر بها البلاد.

يمكن الربط بين الاعتراف بالشرائح الشابة على الصعيد المؤسساتي وإعادة بناء المنظومة التربوية وفق بيداغوجيا الخير العام وفلسفة المعرفة الكونية وغائية الفعل المشترك وتقاسم الحلم والعفو والوعد معا.

العمل على تعزيز الثقة بين الشباب بإنتاج اليقين النسبي في مستوى المعنى والقيمة وفض النزاعات بشكل سلمي وتوسيع دوائر المشاركة في الفعل والسماح لها باتخاذ القرار حول منزلته ومصيره في السياسات العمومية والتوعية باحترام المنفعة العامة وضرورة وضع الاستراتيجيات واستشراف الغد. “من هنا تولد حركة المقاومة ، يجب إعداد مذهب تكون فيه جميع هذه العلاقات فاعلة ومتحركة وذلك بالبرهان بوضوح على أن مقر هذه الفعالية هو وجدان الإنسان الفردي الذي يعرف ويريد ويعجب ويخلق على قدر ما بحيث يعقل نفسه غير منعزل بل غنيا بالإمكانيات التي يقدمها له مجتمع الأشياء ومجتمع الناس الآخرين”2.[2]

من هذا المنطلق لم يتبق حلا مغايرا للشباب من أجل الخروج من حالة الاغتراب والاستسلام الى حالة اليقظة والالتزام سوى الانخراط في الثورة الدائمة على الظلم والتخلف والبؤس ومواجهة المصير بشجاعة ولم تترك الأزمات العاصفة والظروف القاسية من مخرج لهم الا الانتصار على الذات ومغالبة قسوة القدر ولم تخلف لهم مسيرة الشقاء والعذاب التي انخرطوا فيها من الإلقاء بهم في العالم سوى الوعي الشقي والحكمة اليائسة والموعظة المتأخرة والعبرة المتسللة بين ثنايا المد والجزر والتردد بين الانفعال والفعل.

تحتاج الفئة الشابة الى الكثير من الجد والعمل والمثابرة لكي تتمكن من دحر القنوط والاهتداء الى طريق الرشاد ويتطلب الأمر استفاقة حاسمة وانتباه ذكي الى الواقع وانطلاقة حقيقية نحو المصالحة مع الذات وامتلاك قوة المعرفة من أجل افتكاك موقع في العالم وانتهاج سياسة التعمير الآن وهنا على هذه الأرض والاقتصاد في الاعتقاد ضمن خلفية فكرية تجعل من المكوث أهم من الضياع وتؤمن بالاسكان بدل الهجرة وتعول على حرية الخيال على حساب العقل وسفر الذكريات وأحلام اليقظة على سياحة الجسد ونوم الفكر.

4-الشباب والايديولوجيا:

” البنية التي كانت قوة خارجية تسحق الإنسان وتمثله وتجعله منفعلا وقابلا تنقلب إلى وسيلة للحرية أو إلى أداة لخلق صورة سياسية جديدة ، تولد مبادرات جديدة”3[3]

توجد عدة معان مرفوضة للايديولوجيا وذلك لارتباطها بالوهم وتكريسها لواقع الاغتراب وتشبثها بالسائد واتصافها بالنزعة المحافظة والعقلية التبريرية ومحاولة إبقائها المجتمع على ماهو عليه ويمكن ذكر الإيديولوجيا بماهي إضفاء للمشروعية على النظام السياسي القائم باستعمال الأجهزة المادية والرمزية للدولة ومحاولة إخفاء أشكال البشاعة والظلم والتعسف والفساد التي تمثل حقيقته وتجميله بإظهار الصلاح والتقدم والرخاء والهيبة والمجد ، ومن جهة ثانية قد تعكس الإيديولوجيا في مخيلة الناس حلمهم وأمانيهم وانتظاراتهم وتصور لهم مجموعة آمالهم وتطلعاتهم بوصفها مجرد تعويضات نفسية وصرخات يائسة وترسم لهم جملة من أوهام على أنها حقائق وتكرس نظرة مقلوبة بالواقع تجعلهم يقنعون بهذه الأشباح. أما المعنى الثالث غير المحبذ للايديولوجيا فهو ذلك الذي ارتبط بالميتافيزيقا واللاهوت والمثل الزهدية والذي وجد في التقنية والواقع الافتراضي ووسائل الاتصال الحديثة والعولمة الرقمية حقيقته المادية ورأسماله الرمزي وبنيته الفوقية التي تجعل الناس يلهثون وراء الحساب والاستهلاك والتملك والسيطرة والاستمتاع بالمعنى الفردي والجسماني بدل البحث عن شروط تحقيق الكينونة والتواصل وسعادة المجموعة البشرية.

على خلاف ذلك يحتاج البشر اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى يقظة إيديولوجية حاسمة من أجل تشكيل وعي ثوري باللحظة التاريخية الفارقية وبناء فعل سياسي نضالي يخرج الوجود البشري من دائرة الخطر. ولذلك ثمة معان ايجابية للايديولوجيا يمكن إظهارها للعيان والاشتغال عليها والتمسك بها بصورة عملية ويتمثل المعنى الأول في القوة التي تحوز عليها الإيديولوجيا في مستوى قدرة الإدماج وتحقيق التلاحم بين البشر وبالتالي تتحول إلى آلية للتحشيد والصهر والدمج ضمن إطار هوياتي مرتبط بالوطنية والشعبية بعد ذلك يأتي المعنى الثاني من رحم الصراع والتناقضات لتتحول الإيديولوجيا إلى منهج علمي يهتم بقراءة الواقع يسمح بالنقد الموضوعي للمجتمع بتشخيص الآفات واقتراح البرامج والبدائل وطرق المعالجة. في مستوى ثالث تحتاج الشعوب البائقة إلى التحرر من نير الظلم والانعتاق من هيمنة العولمة المتوحشة إلى استخدام الإيديولوجيا كسلاح مقاومة ومنهج تغيير الأوضاع لكي تدافع على حقوقها وتثبت ذاتها. بطبيعة الحال ” لا يتوارى تشكل اجتماعي أبدا ، قبل أن ينمي كل ما يستطيع احتواءه من قوى منتجة، ولا تقوم أبدا شروط إنتاج أرقى، قبل أن تتفتح إمكانات وجودها المادية في الحضن القديم، ولهذا لا تضع البشرية نصب عينيها إلا ما تستطيع تحقيقه من المهام. وفي الحق أننا إذا نظرنا إلى الأمر عن قرب كشفنا دائما أن المهمة لا تعرض إلا حيث توجد الشروط المادية الضرورية لتحقيقها أو تكون على الأقل في طريق التشكل”4[4]

لا يمكن إنكار الدور الذي تؤديه الإيديولوجيا من حيث هي قوة تدميرية للقلاع المحافظة والبني التقليدية للملكية والسلطة والاعتقادات البالية وكذلك قوة بنائية للحقوق والعدالة وطاقة خلاقة للمبادئ والقيم الكونية. لهذا السبب لا يمكن التعامل مع الإيديولوجيا بوصفها وعي زائف ومرآة عاكسة وتصور ميكانيكي ونزعة دغمائية تؤدي إلى الانغلاق والتعصب وتشرع العنف والإقصاء، وإنما يجدر بنا إخضاع المفهوم للمعالجة النقدية وعرضه على طاولة التفكيك وتطهيره مما علق به من استعمالات خاطئة وتشويه معولم ومغرض والتعامل معه على أنه أداة ارتقاء ومخزون نضالي وبؤرة مقاومة وسلاح ثوري ضد كل أشكال الابتذال. إن الحديث عن بؤس الإيديولوجيا واستقالة العقل العملي ونهاية السرد وبلوغ التاريخ مرحلة مغالية في الليبرالية تقر بحتمية اقتصاد السوق وبسيادة مذهب الملكية الخاصة وديانة الاستهلاك والعقل الأداتي هو إثبات ملموس بحاجة الإنسانية إلى خطاب إيديولوجي ينبني على التعدد والتركيب وتكون مهمته الأولى تطهير العقل البشري من هذه الترهات الجشعة وزرع منابت مقاومة واستثبات بين أروقة الفضاء العام. إن دور الإيديولوجيا في تحريك التاريخ وتقدم المجتمعات كبير وهام وان حاجة الشباب إلى الإيديولوجيا يماثل حاجة الانسان الى الارادة والكرامة والحرية من أجل حفظ الكيان وصيانة الذات الجماعية.

غاية المراد أنه ” إذا أعدنا امتلاك الإيديولوجيا بمعنى أوسع، أي المعنى الذي يولي اهتماما كاملا لبنية الفعل الرمزي، سنرى إنها – أي الإيديولوجيا البدائية ، الايجابية- تعمل على مستوى الجماعات والأفراد في آن واحد باعتبارها تكوين هويتهم”5[5]. فكيف تم الانتقال بالايديولوجيا من التشويه إلى الترميز؟ ومتى يكف حفارو قبور الإيديولوجيا عن نعيقهم وصراخهم ويدركوا أن القول بعصر ما بعد الإيديولوجيا هو قول إيديولوجي وإعلان رسمي عن توديع إيديولوجيا زائغة ومضللة واستقبال إيديولوجيا ثورية ومحررة؟

خاتمة نقدية:

من المفروض دراسة الشرائح الشابة من الزاوية العمرية التي تناسبهم وترك أغلبهم يتكلمون عن أنفسهم والإنصات إلى مطالبهم وانتظاراتهم وتجنب التعامل معهم من حيث هم لا يزالوا ينتمون إلى فترة الطفولة ويحتاجون إلى عناية أسرية ورعاية اجتماعية وتفادي كذلك تسليط أحكام مسبقة تصدر عن زمن النضج وفترة الكهولة والكف عن الاستخفاف بتصوراتهم ومقترحاتهم والتعلل بسن المراهقة والطيش والتسرع.

أزمة الشرائح الشابة لا تكمن في التفكير المبدئي والالتزام المطلق بالقضايا العادلة والحفاظ على مركز الحظر والتحمل أكثر من اللازم ونفاذ الصبر من تسليع كل شيء ضمن اقتصاد العرض الكبير والفرجة الدائمة وإنما في البحث في الأماكن الخاطئة في أوقات غير مناسبة ورفع الأحذية في وجه رمزية الذات بالانعطاف نحو أقصى اليمين تارة وتجذير الموقف نحو اليسار طورا والمكوث في الوسط الذي لا يستمر.

تكوين جيل جديد من المقاومين لا يتم بالاستثمار في الهياكل العظمية وإحداث سوء تفاهم بين ثقافة الطبقة الصاعدة وسياسة المجتمع الذي تنتمي إليه ولا يحدث عبر تقليد مصطنع للمسارات الثورية الماضية وتبني أفكار نمطية عن العصيان المدني وإتباع مونتاج مثالي من الكليشهات الاحتجاجية بل يتطلب نشر التمرد ضد سياسة اليأس ورسم جغرافية ذهنية جديدة تعلن بان الكابوس قد انتهى بإحداث نقلة إيمانية نحو براءة الوجود وأصالة الفطرة وجعل الحماسة الثورية للانتفاضة من اجل سلطة الشعب تقترن بالتحول المعرفي,

في الواقع يطالب الشباب بإسقاط النظام المعرفي دون تبني واجب أخلاقي جديد يقوم على تضامن الجيل الجديد من المقاومين ضد عنصرية الحقد والكراهية وضد إرهاب المال وعنف الكلام وضد كذب التدخل الإنساني، ولذلك نراه يسقط في خلط المفاهيم وتداخل المرجعيات ويعرج في السير حينما يتشبث بحلم تغيير الجلدة ويطالبون بالمشاركة ويمارسون سياسة الحداد دون العمل على امتلاك منظومة القوة والحق، لكن أي سر في قدرة الشباب على تحقيق ما ظهر مستحيلا والتغلب على خبرة الشيوخ وحكمة الكهول؟

الإحالات والهوامش:

[1] Arendt (Hannah(, la crise de la culture, huit exercices de pensée politique, traduit de l’anglais sous la direction de Patrick lévy, edition Gallimard, Paris, 1972,pp253-254

[2] تكسيه (جاك)، غرامشي، دراسة ومختارات، ترجمة ميخائيل إبراهيم مخول، مراجعة جميل صليبا، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، طبعة أولى، 1972. ص187

[3] تكسيه (جاك)، غرامشي، دراسة ومختارات، ترجمة ميخائيل ابراهيم مخول، مراجعة جميل صليبا، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، طبعة أولى، 1972. ص 216.

[4] ماركس ( كارل)، مقدمة إسهام في نقد الاقتصاد السياسي، المنشورات الاجتماعية 1957.

[5] ريكور (بول)، محاضرات في الإيديولوجيا واليوتوبيا، تحرير وتقديم جورج ه. تايلور، ترجمة فلاح رحيم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، طبعة أولى، 2002، ص232.

المصادر والمراجع:

Arendt (Hannah(, la crise de la culture, huit exercices de pensée politique, traduit de l’anglais sous la direction de Patrick lévy, edition Gallimard, Paris, 1972,

تكسيه (جاك)، غرامشي، دراسة ومختارات، ترجمة ميخائيل إبراهيم مخول، مراجعة جميل صليبا، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، طبعة أولى، 1972.

ماركس ( كارل)، مقدمة إسهام في نقد الاقتصاد السياسي، المنشورات الاجتماعية 1957.

تكسيه (جاك)، غرامشي، دراسة ومختارات، ترجمة ميخائيل ابراهيم مخول، مراجعة جميل صليبا، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، طبعة أولى، 1972.

ريكور (بول)، محاضرات في الإيديولوجيا واليوتوبيا، تحرير وتقديم جورج ه. تايلور، ترجمة فلاح رحيم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، طبعة أولى، 2002،

كاتب فلسفي
[1] Arendt (Hannah(, la crise de la culture, huit exercices de pensée politique, traduit de l’anglais sous la direction de Patrick lévy, edition Gallimard, Paris, 1972,pp253-254

[2] تكسيه (جاك)، غرامشي، دراسة ومختارات، ترجمة ميخائيل إبراهيم مخول، مراجعة جميل صليبا، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، طبعة أولى، 1972. ص187

[3] تكسيه (جاك)، غرامشي، دراسة ومختارات، ترجمة ميخائيل ابراهيم مخول، مراجعة جميل صليبا، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، طبعة أولى، 1972. ص 216.

[4] ماركس ( كارل)، مقدمة إسهام في نقد الاقتصاد السياسي، المنشورات الاجتماعية 1957.

[5] ريكور (بول)، محاضرات في الإيديولوجيا واليوتوبيا، تحرير وتقديم جورج ه. تايلور، ترجمة فلاح رحيم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، طبعة أولى، 2002، ص232.