رغم الكتابات التي تناولت مكون الشبك في العراق، الا انها ما تزال قليلة إذا ما تحدثنا عن ظاهرة أو مشكلة تستحق الدراسة، من حيث تاريخ هذا المكون، أو المعاناة التي عاشها في ظل الأنظمة المتعددة المتعاقبة على حكم العراق، وصولا الى ما يعيشه هذا المكون اليوم من اغتصاب لمناطق سكناه، وتهجير الاف العوائل.
من جهة أخرى إذا نظرنا الى ثقافة الشعب العراقي بصورة عامة فإنها ليست بمستوى الطموح، بحيث تكون لدى المواطن المتعلم قاعدة ثقافية عن الشعب وتاريخه ومكوناته، بل أبعد من ذلك، حين يصل الأمر عند البعض الى الجهل بأسماء مدن ربما بعضها مشهورة لايعرف تبعيتها الأدارية على الخريطة.
من هنا بدأنا مشوارا وجدنا أننا مسؤولون عنه شئنا أم أبينا، محاولين من خلال هذه الخطوات تعريف أكبر قدر من المجتمع العراقي المتعلم الذي يجهل حقيقة المكون الشبكي، من خلال دراسة سيتم نشرها مستقبلا، وسنعمل جاهدين لتشمل جميع المكتبات ليس في داخل العراق فحسب إنما في خارجه أيضا، لتتناول المجتمع الشبكي تاريخا وحاضرا ومستقبلا والمعاناة المستمرة، بغية وضع القارئ في الصورة.
إن المكون الشبكي ليس كما روج البعض من الكتاّب طائفة دينية معتمدين في ذلك على مصادر مغلوطة، إنما هو مكون عرقي. فعندما يتم تصنيف الشعب العراقي على أساس ديني لايذكر الشبك لأنهم ضمن المسلمين الى جانب الديانات الأخرى. وعندما يتم تصنيف المسلمين في العراق الى مذاهب يكون الشبك قسمان، قسم مع المذهب الشيعي، والقسم الآخر مع المذهب السني. أما إذا صنف الشعب على أساس عرقي يكون الشبك رابع تسمية بعد العرب والأكراد والتركمان.
ربما سائل أو متطلع على تاريخ الشبك يقول إن الشبك في القرون السابقة كانوا يتبعون الطريقة الصوفية أو من اتباع الطرق الباطنية، نرد على ذلك بأن شرحا مفصلا ووافيا سيجده القارئ في المؤلف إن شاء الله، وسنلخص هنا : إن الشبك فعلا كانوا سابقا يتبعون الطرق الصوفية في التقرب الى الله، لكن مع تقدم المجتمعات وتطور التعليم وانتشار المدارس، بات المجتمع الشبكي على دراية بتعاليم الدين الاسلامي الحنيف ولم تبق لتلك الطرق أية آثار.
وكما هو معروف فإنه لايوجد تعداد سكاني للعراق منذ سنوات، وبالتالي لايوجد رقم حقيقي يمثل تعداد الشبك، لكن احصائيات غير رسمية من منظمات دولية أو معنية بحقوق الانسان، تشير الى أن تعداد الشبك قارب الـ 300 ألف نسمة أو ربما أكثر من ذلك بقليل.
لدى الشبك لغة خاصة، تضم بعض المفردات من العربية والكردية والتركمانية والفارسية أيضا، وهذا أمر طبيعي بحكم المناطق التي يسكنها الشبك، والتي شهدت غزوات وحروبا على مر التاريخ. وكما أن أميركا اللاتينية تتكلم اللغتين الاسبانية والبرتغالية، نتيجة الاستعمار، لكن لايمكن القول أن اميركا اللاتينية امتداد للشعبين الاسباني والبرتغالي.
عادات وتقاليد الشبك لاتختلف كثيرا عن مكونات الشعب العراقي في الوقت الحاضر، ربما كان في السابق لكل مكون تقاليدا خاصة ستكون مفصلة في مؤلفنا، لكن كان بحكم التقدم العلمي وانفتاح الحضارات والشعوب على بعضها البعض والتقدم التكنلوجي لم يعد هناك تقليدا غريبا على شعب دون آخر، الا في اطار ما يحكمه الدين الاسلامي من قواعد الحياء والأخلاق.
عانى الشبك عقودا طويلة خلال فترات الأنظمة السابقة من سياسات التهميش والتناسي، وظلموا كثيرا سواء من حيث احتسابهم على الطائفة اليزيدية كما وضحنا، أو احتسابهم ضمن المكون العربي (سياسة التعريب)، التي اتبعت في عدد من مناطق العراق، وتحديدا الشمالية. وبعد الاحتلال الأميركي تعرضت مناطق الشبك للاهمال وظلت مفتقرة للخدمات، ولم يلتفت اليها أحد لا من قبل الحكومة المركزية في بغداد، ولا حكومة اقليم كردستان، ولا حتى من قبل الحكومة المحلية في محافظة نينوى. وهذه إشارة لسياسة التمييز من قبل هذه الجهات التي تتبعها تجاه هذا المكون.
إننا في العراق نحتاج الى نلسون مانديلا جديد ليقضي على التمييز، فالأمم لاتنهض بالحروب والتقاتل والتمييز والتهميش، انما تنهض بمنح الحقوق الانسانية التي وهبها الله لجميع البشر.