18 ديسمبر، 2024 8:59 م

الشباب ورسم خارطة طريق المستقبل

الشباب ورسم خارطة طريق المستقبل

لفت انتباهي ، يافطة موضوعة على جانب الطريق ، ضمن مجموعة من اليافطات ، وكلها بنفس الحجم ، بالقرب من مركز انتخابي لانتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكيين التي ستجري في شهر تشرين ثان القادم ، في مدينة هيوستن ، كتب على احداها: John :keeps his words ، جون يبقي على وعوده. وذهبت اليافطات الاخرى كل تتحدث عن مبتغاها ، البعض تتحدث عن القضاء ، والبعض الاخر تتحدث عن التعليم ، والباقيات يتحدثن عن مواضيع اخرى. اليافطات كلها تتوزع ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ، ولكن لا مكان لشعارات الحزبين على اليافطات كلها ، أستعيض عنها بالعناوين التي رأها المرشح هي الانسب لجذب انتباه الناخب الامريكي لكي يركز عليها.

ولو نقلنا هذا المشهد الى العراق ، ونظرنا الى اليافطات التي تعلق على الجدران او توضع على جانب الطريق ، لتعرض اسماء المرشحين للانتخابات البرلمانية ، فأنها كلها ومن غير استثناء تعرض شعارات الأحزاب والكتل السياسية ، ولا شيء اخر غيرها. اي ان المرشح ملتزم تماما ببرنامج الأحزاب او الكتل التي رشحته للانتخابات ولا رأي شخصي ، لا صغير ولا كبير ، يمكن ان يمارسه المرشح بعد ان يفوز بالانتخابات ، خارج البرنامج الذي رسمه ذلك الحزب او هذا الائتلاف سلفا.

البرنامج الامريكي وكذلك البرنامج الأوربي وبقية البرامج في الدول المتقدمة الاخرى ، تعطي فسحة او مجال للنائب المنتخب ، ان يمارس حقه ، المفوض اليه من قبل الناخبين الذين اعطوه اصواتهم ، لان يصوت بخصوص القضايا المصيرية او الرئيسة ، وفق نظرته الشخصية بمعزل عن الحزب او الكتلة التي ينتمي اليها. بينما البرنامج العراقي يلزم النائب العراقي ان يصوت وفق ما تمليه عليه الأحزاب والكتل التي ينتمي اليها ، ولا رأي شخصي ، ازاء القضايا الصغيرة والكبيرة يمكن ان يتمتع به النائب العراقي.

دعوات كثيرة ، منذ بداية الانتخابات العراقية وحتى يومنا هذا ، تسعى الى سد هذه الثغرة القاتلة ، فهي تدعو الى تغير قانون الانتخابات البرلمانية ، حتى البعض منها ، يدعو الى اجراء الانتخابات وفق القائمة الواحدة ، اي يرشح كل نائب للانتخابات بقائمة منفردة خاصة به فقط ، وكل ناخب يعطي صوته لنائب واحد دون سواه. ولكن كل هذه الدعوات او المبادرات ، مازالت خجولة ، لا تلقى الاستجابة الكافية ، بل ترتطم بالجدار المانع الذي وضع من البداية ، من قبل الأحزاب والكتل والائتلافات ، التي تصدرت المشهد السياسي ، ليبقى الحال على ما هو عليه في العراق.

ان هذا النظام الانتخابي الجاري يفسر لنا كيف ان الانتخابات البرلمانية تجري بالطرق الديمقراطية ، من اليفها الى يائها ، ولكن مخرجاتها تكون غير ديمقراطية ، وبعبارة اخرى مخرجاتها لا تعبر عن إرادة الناخبين ، وانما تخدم تطلعات ومصالح الأحزاب والكتل المهيمنة على المشهد السياسي العراقي. انهم (الأحزاب والكتل) ، بموجب الحالة الموصوفة ، يتمتعون بمنعة تحول دون اقتحامها.

وما يعقد الصورة العراقية اكثر ، وربما يبعث على اليأس ، ان الشعب العراقي ، رغم كل بوادر الوعي التي تبدو عليه اليوم ، مبتلى بأوبئة فتاكة إصابته في العقود الاخيرة ، ومن غير السهل حتى الان الشفاء منها ، التشخيص والامتعاض من الحالة المأساوية التي يعيشها الشعب العراقي الان شيء ، وما يجري على ارض الواقع شيء اخر ، فهي (الأوبئة) وان كان المواطن العراقي يأن منها صباح مساء ، وتغرقه ببحر من الضياع والهموم ، غير انها بنفس الوقت تقيد مساره ، بشكل او اخر ، وتجره بقوة نحو الخطأ ، ونحو عدم تقييم الحالة العراقية بصورة موضوعية ومجردة.

وعلى وفق ذلك ، ينبغي على الشباب ، كل الشباب ، من زاخو الى البصرة ، ان يترجموا الوعي وإلادراك ، الذي يلمسونه الان ، الى عمل وطني جماعي ومشترك ، يسطيع ان يكسر القيود التي تكبل أياديهم وأيادي بقية الشعب العراقي وتمنعه من التقدم والازدهار. ان هذه الخطوة التي يمكن ان نسميها بخطوة بناء المواطنة او دولة المواطنة ، التي من دونها يبقى الشعب العراقي عاجز عن تحقيق أمانيه في التقدم والازدهار ، فهي ليست بالخطوة المستحيلة وليست بالعسيرة ولا الشاقة ، انها باينه للعيان ويمكّن ان ننظر اليها عبر تجارب الشعوب الاخرى التي مرت بنفس الظروف القاسية التي نعيشها في الوقت الحاضر وتجاوزتها ، لاسيما حين نأخذ بالبال اننا لا نحقق انتصار ، مهما طال الوقت ، من غير ان نسلك هذا الطريق.