10 أبريل، 2024 9:53 ص
Search
Close this search box.

الشاعر والوزير الروسي درجافين

Facebook
Twitter
LinkedIn

ولد غافريل درجافين عام 1743 وتوفي عام 1816 , اي انه ابن القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, وترتبط باسمه في تاريخ الادب الروسي – قبل كل شئ – قصائد ذات سمات ليريكية (عاطفية غنائية ان صحّت الترجمة ) تسمى باللغة الاغريقية القديمة – ( اودا ) , اي ان بلاد الاغريق ( اليونان) هي موطنها الاول , وأخذت لغات اخرى عديدة هذه التسمية من تلك اللغة كما هي , ومن بينها اللغة الروسية , وقد كانت المرحومة أ.د. حياة شرارة ترى ضرورة ادخال كلمة ( اودا) في مسيرة الترجمة العربية , اذ كانت تعتقد, ان ترجمتها بالعربية الى ( قصيدة عاطفية او عاطفية – غنائية) كما جاءت في بعض المصادر العربية – ترجمة غير ملائمة وغير موفقة بتاتا وغيردقيقة لهذا النتاج الابداعي المتميّز, وهي وجهة نظر تستحق التأمّل بلا شك ( اذ اننا نقول الان بالعربية وبشكل طبيعي جدا – تراجيديا او كوميديا مثلا رغم وجود كلمتي مأساة او ملهاة), وقد كنّا نؤيد بشكل عام في قسم اللغة الروسية آنذاك رأي د. حياة هذا, وكنّا نقول , ان ترجمة – ( قصيدة عاطفية) لتلك القصيدة لا يعكس فعلا المعنى المحدد لكلمة – ( الاودا ) كما هي بالروسية , ولكننا لم نصل – مع ذلك – الى قرار واضح وحاسم و نهائي حول ذلك , اذ تشير معاجم المصطلحات الادبية الروسية , الى ان الاودا هي قصيدة مديح او تمجيد لبطل او شخصية بارزة متميّزة او حدث تاريخي محدد , وانها تمتلك عدة معاني في آن , منها معنى ( اغنية او انشودة ) , وكانت تصاحبها بعض الاحيان حتى موسيقى عند تقديمها لدى الاغريق والرومان , ولهذا تطلق بعض المصادر الروسية صفة ( الشعر الغنائي) على قصائد الاودا .
ظهرت قصائد الاودا في مسيرة الادب الروسي بالقرن الثامن عشر , وبالذات عند لامانوسوف ( حسب قواعد التلفظ الروسي, ولومونوسوف حسب الكتابة) , الذي ساهم بشكل ابداعي وطليعي في الكثير من مجالات الحياة الفكرية المتشعبة , بما فيها اللغة الروسية وآدابها ( انظر مقالتنا بعنوان – لومونوسوف واللغة الروسية وآدابها ) , ولكن هذا النوع من القصائد , اي ( الاودا) ارتبط مع اسم درجافين بشكل دقيق وحاسم, وقد ابتدأ بكتابتها ونشرها منذ عام 1773 فصاعدا حيث ظهرت قصائده العديدة تلك تباعا , وهكذا اصبحت الاودا شائعة في الادب الروسي على يد درجافين لدرجة , انه كتب كلمات اول نشيد وطني للامبراطورية الروسية .
كل المصادر الروسية التي تناولت القرن الثامن عشر أشارت , الى ان درجافين عاش حياة غير اعتيادية , اذ انه ابتدأ عسكريا , ثم اخذ يشغل مناصب ادارية رفيعة , منها , انه كان محافظا لعدة مدن روسيّة مهمة , ثم اصبح سكرتيرا لمكتب القيصر , ثم وزيرا للخزانة , وكان آخر منصب له هو وزير العدل في الامبراطورية الروسية , وطوال هذه الفترة التي شغل فيها تلك المناصب الرفيعة, استمر درجافين بكتابة قصائد الاودا , والمساهمة في الحياة الثقافية الروسية , وكان بيته مكانا يلتقي فيه الادباء الروس , ويتحدثون عن الحياة الادبية في روسيا ونشاطاتهم ومساهماتهم الثقافية في مسيرتها , وكان هذا اللقاء يتم شهريا , وليس عبثا , ان هذا اللقاء الشهري في بيت درجافين بالذات قد تحوّل بعدئذ وبالتدريج الى جمعية ثقافية تحمل تسمية طريفة وغير اعتيادية, وهي – ( حديث محبّي الكلمة الروسية ) , والتي يمكن القول , ان درجافين كان واقعيا مؤسسها ورئيسها , وهي جمعية كانت تضم نخبة من المثقفين و الادباء الروس في ذلك الزمن البعيد , ولعبت دورا متميّزا في نشر الادب الروسي في المجتمع آنذاك .
من الوقائع المشهورة في تاريخ الادب الروسي , والمرتبطة بسيرة حياة درجافين , هي انه قد حضر عام 1815 ( اي قبل سنة واحدة من وفاته) حفل التخرّج , الذي أقامته الليتسيه ( المدرسة التي كان يدرس فيها بوشكين) , وقد ألقى بوشكين عندها ( كان عمره 16 سنة) احدى قصائده , وقد انتبه درجافين الى موهبة هذا الصبي اليافع وتوقع له مستقبلا لامعا في الشعر , وهذا بالضبط ما حدث في مسيرة الادب الروسي كما هو معروف , وكان بوشكين يفخر بتلك الحادثة , وكتب لاحقا في روايته الشعرية الشهيرة ( يفغيني اونيغين) مقطعا طريفا حول هذه الحادثة , ولازالت كلمات بوشكين معروفة لدى الروس عن درجافين , اذ انها تعبّر فعلا عن روحية بوشكين وخصائص شعره الجميل و البسيط والواضح والمرح والمحدد والدقيق , والترجمة الحرفية لهذ المقطع في رواية ( يفغيني اونيغين ) هي كما يأتي–
العجوز درجافين لاحظنا,
و ذاهب هو الى القبر
باركنا ..
وقد كتب أحد القراء الروس , مرة , تعليقا طريفا حول هذا المقطع الذي كتبه بوشكين في روايته , و قال فيه , ان درجافين توقع بشكل صحيح مستقبل بوشكين عندما رآه لاول مرة, وان بوشكين توقع ايضا بشكل صحيح مستقبل درجافين عندما رآه لاول مرة…

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب