23 ديسمبر، 2024 9:19 ص

الشاعر والوزير الروسي درجافين

الشاعر والوزير الروسي درجافين

ولد غافريل درجافين عام 1743 وتوفي عام 1816 , اي انه ابن القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, وترتبط باسمه في تاريخ الادب الروسي – قبل كل شئ – قصائد ذات سمات ليريكية (عاطفية غنائية ان صحّت الترجمة ) تسمى باللغة الاغريقية القديمة – ( اودا ) , اي ان بلاد الاغريق ( اليونان) هي موطنها الاول , وأخذت لغات اخرى عديدة هذه التسمية من تلك اللغة كما هي , ومن بينها اللغة الروسية , وقد كانت المرحومة أ.د. حياة شرارة ترى ضرورة ادخال كلمة ( اودا) في مسيرة الترجمة العربية , اذ كانت تعتقد, ان ترجمتها بالعربية الى ( قصيدة عاطفية او عاطفية – غنائية) كما جاءت في بعض المصادر العربية – ترجمة غير ملائمة وغير موفقة بتاتا وغيردقيقة لهذا النتاج الابداعي المتميّز, وهي وجهة نظر تستحق التأمّل بلا شك ( اذ اننا نقول الان بالعربية وبشكل طبيعي جدا – تراجيديا او كوميديا مثلا رغم وجود كلمتي مأساة او ملهاة), وقد كنّا نؤيد بشكل عام في قسم اللغة الروسية آنذاك رأي د. حياة هذا, وكنّا نقول , ان ترجمة – ( قصيدة عاطفية) لتلك القصيدة لا يعكس فعلا المعنى المحدد لكلمة – ( الاودا ) كما هي بالروسية , ولكننا لم نصل – مع ذلك – الى قرار واضح وحاسم و نهائي حول ذلك , اذ تشير معاجم المصطلحات الادبية الروسية , الى ان الاودا هي قصيدة مديح او تمجيد لبطل او شخصية بارزة متميّزة او حدث تاريخي محدد , وانها تمتلك عدة معاني في آن , منها معنى ( اغنية او انشودة ) , وكانت تصاحبها بعض الاحيان حتى موسيقى عند تقديمها لدى الاغريق والرومان , ولهذا تطلق بعض المصادر الروسية صفة ( الشعر الغنائي) على قصائد الاودا .
ظهرت قصائد الاودا في مسيرة الادب الروسي بالقرن الثامن عشر , وبالذات عند لامانوسوف ( حسب قواعد التلفظ الروسي, ولومونوسوف حسب الكتابة) , الذي ساهم بشكل ابداعي وطليعي في الكثير من مجالات الحياة الفكرية المتشعبة , بما فيها اللغة الروسية وآدابها ( انظر مقالتنا بعنوان – لومونوسوف واللغة الروسية وآدابها ) , ولكن هذا النوع من القصائد , اي ( الاودا) ارتبط مع اسم درجافين بشكل دقيق وحاسم, وقد ابتدأ بكتابتها ونشرها منذ عام 1773 فصاعدا حيث ظهرت قصائده العديدة تلك تباعا , وهكذا اصبحت الاودا شائعة في الادب الروسي على يد درجافين لدرجة , انه كتب كلمات اول نشيد وطني للامبراطورية الروسية .
كل المصادر الروسية التي تناولت القرن الثامن عشر أشارت , الى ان درجافين عاش حياة غير اعتيادية , اذ انه ابتدأ عسكريا , ثم اخذ يشغل مناصب ادارية رفيعة , منها , انه كان محافظا لعدة مدن روسيّة مهمة , ثم اصبح سكرتيرا لمكتب القيصر , ثم وزيرا للخزانة , وكان آخر منصب له هو وزير العدل في الامبراطورية الروسية , وطوال هذه الفترة التي شغل فيها تلك المناصب الرفيعة, استمر درجافين بكتابة قصائد الاودا , والمساهمة في الحياة الثقافية الروسية , وكان بيته مكانا يلتقي فيه الادباء الروس , ويتحدثون عن الحياة الادبية في روسيا ونشاطاتهم ومساهماتهم الثقافية في مسيرتها , وكان هذا اللقاء يتم شهريا , وليس عبثا , ان هذا اللقاء الشهري في بيت درجافين بالذات قد تحوّل بعدئذ وبالتدريج الى جمعية ثقافية تحمل تسمية طريفة وغير اعتيادية, وهي – ( حديث محبّي الكلمة الروسية ) , والتي يمكن القول , ان درجافين كان واقعيا مؤسسها ورئيسها , وهي جمعية كانت تضم نخبة من المثقفين و الادباء الروس في ذلك الزمن البعيد , ولعبت دورا متميّزا في نشر الادب الروسي في المجتمع آنذاك .
من الوقائع المشهورة في تاريخ الادب الروسي , والمرتبطة بسيرة حياة درجافين , هي انه قد حضر عام 1815 ( اي قبل سنة واحدة من وفاته) حفل التخرّج , الذي أقامته الليتسيه ( المدرسة التي كان يدرس فيها بوشكين) , وقد ألقى بوشكين عندها ( كان عمره 16 سنة) احدى قصائده , وقد انتبه درجافين الى موهبة هذا الصبي اليافع وتوقع له مستقبلا لامعا في الشعر , وهذا بالضبط ما حدث في مسيرة الادب الروسي كما هو معروف , وكان بوشكين يفخر بتلك الحادثة , وكتب لاحقا في روايته الشعرية الشهيرة ( يفغيني اونيغين) مقطعا طريفا حول هذه الحادثة , ولازالت كلمات بوشكين معروفة لدى الروس عن درجافين , اذ انها تعبّر فعلا عن روحية بوشكين وخصائص شعره الجميل و البسيط والواضح والمرح والمحدد والدقيق , والترجمة الحرفية لهذ المقطع في رواية ( يفغيني اونيغين ) هي كما يأتي–
العجوز درجافين لاحظنا,
و ذاهب هو الى القبر
باركنا ..
وقد كتب أحد القراء الروس , مرة , تعليقا طريفا حول هذا المقطع الذي كتبه بوشكين في روايته , و قال فيه , ان درجافين توقع بشكل صحيح مستقبل بوشكين عندما رآه لاول مرة, وان بوشكين توقع ايضا بشكل صحيح مستقبل درجافين عندما رآه لاول مرة…