19 ديسمبر، 2024 4:56 ص

الشاعر ليس نتيجة بل هو أحد الأسباب التي تصنع النتائج ..

الشاعر ليس نتيجة بل هو أحد الأسباب التي تصنع النتائج ..

كان النقد الأدبي يسير باتجاهات مختلفة أي بمفهوم رؤية النقد للجمال، وهذا لا ينطبق على الشعر فقط بل انطبق على معظم الفنون الأخرى حيث اعتبرَ البعض من النقاد أن الأدب(عناية فائقة في التنفيذ) ومنهم من رأى ضرورةَ أن يكون الشكل له الأولوية في تقييم المنجز وهناك من قَسمَ الجمال إلى المفيد وغير المفيد واستُغل النقد من البعض لتفسير التاريخ الشعري كما فعل جوتيه في دراساته عن الشعر الفرنسي كما استوعب جوتيه بعض الشيء عن دراساته لبودلير للوصول إلى شيء ما من عمق بودلير الإستراتيجي، وهناك من أفرط في القسوة في تناول جيله أو الأجيال التي سبقت وهناك من تعاطف الى حد التسامح مع الأخطاء أو بالأحرى مع النظرة الى اللغة ووظيفتها

واستشعار قواها الروحية، ففي النقد الفرنسي على سبيل المثال قدم سانت- بوف شكله التنظيري للشعر الفرنسي وكذلك الشعر الإنجليزي وكتب عن العبقرية وعن الإلهام وماهو الجوهري وغير الجوهري واستخلص من خلال نقده الطبيعي السعي الذي يشتغل عليه بعض الشعراء نحو المحرك المجهول ولم يكن نقد سانت- بوف منفصلا عن افكار لوسون أو أفكار ياسيرز أو ما أتى به يونج في علم النفس فالشاعر في عرفه ليس بسيطا فهو من خلال خاصيته يبلغ الأشياء الفريدة في ذروة اتقاده الروحي والنفسي، وهنا نجد كم اتسع مجال الفردية وكم أخذت الأنا حصتها وكم تقدمت لفرض وجودها على الموجودات الأخرى التي كانت عصب الشاعر في حراكه ضمن التفاصيل العينية والتي تبدو نهائية عند استخدامها وكأنها غير صالحة إلا لمرة واحدة فقط.

ولا شك أن التداخل اللغوي في بعض الأقطار الأوروبية كان أحدى المشكلات التي نظر إليها النقد بإمعان خاصة ذلك الازدواج بين الاستخدامين اللاتيني والفرنسي من قبل الشعراء الفرنسيين إبان عصر النهضة وعلى العموم كانت الأسباب التي قدمها المفكرون والنقاد كفيلة بسيادة اللغة الفرنسية على اللغة اللاتينية ومن هذه الأسباب ما كان متعلقا بالمكانية والتأهيلية والاصطلاحية وهذه الأسباب أيضا لم تركن كأسباب أبدية لجودة لغة على أخرى، إنما كانت دعوات النقاد والشعراء المحدثين تتعالى لخلق

استخدامات جديدة من اللغة والعمل على اشتقاق مفردات غير مستخدمة والبحث عما يتلاءم مع الحس النغمي وتثوير المفردات الدارجة.

لقد وضع الفن ووضعت الحياة أمام مشرحة النقاد فأُعطيَ للرمز أهميته في المنتج الشعري وقدمت الفلسفة جهدا خلاقا للشعر حين عززت المفاهيم نحو الحواس والمشاعر والشواغل الخفية التي تشغل الإنسان بهوسه فاندمجت الفلسفة في الشعر لتدفع بالتخيل إلى مديات أبعد وتعطي الشعر حريته في قبول الذي كان لا يقبل ضمن الرؤية التي كثف الشعر اشتغاله عليها في الأساطير والملاحم والأوهام.

بدأ النقد بنسفِ ما كان بائدا وسطحيا في الماضي والذي كان يوما بالمظهرية وارتداء الأقنعة وبدأ بالتفريق بين الإنسان الذي وصف بالآلي ضمن حركة النص وبين الإنسان الهلامي ضمن حاجات النص لمساره وخطوطه ولغته ومدياته وانتقالاته المكثفة ووراء ذلك تقف القصيدة الطويلة ذات التأثير الفريد في رؤية الناقد وكذلك المتلقي فتلك القصائد بالرغم من حشدها الغرائبي فإنها كانت سلسلة من التأملات والاندفاعات التي تلج بها المعاني وما الفردوس المفقود إلا واحدة من تلك الشواهد حيث أتت بشكل أخر وبجوهر جديد في كشف الرغبات والصراعات ما بين قوى الطبيعة والإنسان حين هيمن التتابع المنطقي والاشتغال الفائض للحواس على مجريات الحدث دون

معاينة وتقنين لأي من أشكال الاندماجات التي تحدث في عملية الاسترسال الشعري.

قدم النقد يقينه من أن الشاعرَ معادل أكيد لما في الكون نفسه وأنه جزء عضوي ومحرك للحياة وقوانينها أمام المحسوسات وبأنه أي الشاعر لن يكون نتيجة بل هو أحد الأسباب المتواصلة التي تصنع النتائج.

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات