19 ديسمبر، 2024 3:45 ص

الشاعر قيس المولى : الشعراء الكرد لم يعيشوا بمعزل عن التحولات الجارية على الصعيد الاقليمي والعالمي

الشاعر قيس المولى : الشعراء الكرد لم يعيشوا بمعزل عن التحولات الجارية على الصعيد الاقليمي والعالمي

يرى الشاعر العراقي قيس المولى أن الشعر العراقي شعرٌ مهمٌ في خارطة الشعر العالمي ولا يتفوق عليه الشعر الغربي إلا من الواجهات التنظيرية ليس إلا .وأضاف في حوارأجراه معه مراسل وكالة كردستان للأنباء ( آكانيوز) ، أن الشعراء الكرد لم يعيشوا بمعزل عما يجري من تحولات في الساحة العربية والعالمية وهو مؤشر يدل على تعاطيهم لتقليب التجارب ودراستها ومقارنتها والإفادة منها ضمن خصوصية الشعر الكردي في شكله ومضمونه.

*اين تضع الشعر العراقي في خارطة الشعر العالمي ؟
-المنتج الشعري العراقي ومنذ المشارف النهائية للأربعينيات قد دخل حقبة جديدة ضمن الولوج للباطن لاستكشاف القوى النفسية والفيض العاطفي وهضم الفكر والفلسفة والإفادة منهما كرؤى شعرية بالمزاوجة مع مطلق عملية التخيل وقد شكل الشعراء الستينيون بداية النهضة الشعرية في العراق رغم وجود بعض المفارقات الأيديولوجية والقومية لدى البعض منهم لكنهم تجاوزوا هذين التأثيرين ضمن ما قدموه من نصوص ذات منحى حداثوي جمالي وكانوا من الرواد الذين أسسوا للحداثة الشعرية العربية في مفصلها النثري ورفدوا مجلة (شعر)اللبنانية بالعديد من النصوص والمقالات النقدية ، فوضعوا الشعر العراقي في مساحة فضلى بين مساحة الشعر العالمي . بل أن هذه المساحة استمرت بالأتساع مع طموح الشعراء السبعينيين في ولوج مفاهيم شعرية جديدة والعمل عليها ومنها تحطيم اللغة وخلخلة البناء والإنسياح في المجهول وغيرها من القواعد البنائية بعد أن تخطوا بالكامل مفاهيم العروض والأوزان والإطاحة بالأنماط التقليدية .
وكاد الشعراء السبعينيون يصلون الى الفوضى المنتجة ويكملون مشوارهم للوصول الى روح التمرد وليس شكله ولكن الظروف التي مر بها العراق حالت دون أن يكمل هؤلاء مشاريعهم الكبيرة والجريئة التي تبنوها وعملوا من أجلها بعد أن تفرقوا في بلدان العالم .
ويخيل لي أن السبعينين بما أنتجوه كان مقاربا للثورة الشعرية الستينية حيث احتفظوا ببعض ملامح الستينيين كما أنهم قدموا نسقهم على مستويات الإفادة من التحولات العالمية الكبرى . ونستطع أن نقول أن الشعر العراقي شعرٌ مهمٌ في خارطة الشعر العالمي ولا يتفوق عليه الشعر الغربي إلا من الواجهات التنظيرية ليس إلا.

*البعض يتحدث عن انفصام الشاعر العراقي عن واقعه ، وهذا يفسر انحسار الجمهور عنه ؟ هل تؤيد هذا الرأي ؟
-هنا أريد أن أبين أن لا وجود لانفصام طوعي يقرره الشاعر ليكون خارج واقعه ،لكن عندما تتدنى الثقافة وتنعدم الرؤية الجمالية لدى المتلقي وتسيطر الرداءة على مناحي الحياة كافة فأن ما يكتبه الشاعر حينها (رغم وضوحه ) يكون غريبا عن المجتمع ، ولاشك أن الهزة العنيفة التي حدثت في العراق مؤخرا دمرت المرتكزات الأساسية للوجدان العراقي وبما في ذلك النظرة لمكملات الحياة ومنها (الشعر – القص- المسرح – التشكيل – الموسيقا ) فالتعاطي مع هذه الآداب والفنون يتم من خلال نظرة غيبية أو نظرة مصلحية ترتبط بواجهة أنا الأخر وليس أنا المُنتج .
إضافة الى أن الحياة في تطور مستمر وفي انتقالات نوعية فالشاعر آلهة خلق وهذا الخلق يتجاوز حدود المألوف والمسموح بل يتجاوز ذات الشاعر نفسها للتعبير عن الحاجات الروحية الصميمة التي تعبر عن الرغبة الجمعية وبالتالي فلابد من وجود عملية إنتقال للمجتمع العراقي يستطع من خلالها الوصول لنقاط التماس مع القدرات الجمالية والمتلقي أو بالأحرى المجتمع العراقي لديه ما يبرر هذه الإنتقالية وهو وسط ظروف قاسية ومريرة بل أن شعوبا مرت بتجارب شبيه أو تجارب أمر من التجربة العراقية الحالية كانت تجد في الإقبال على الأدب والفنون شكلا من أشكال التعويض عن النفس وسط دوامة الفاقة والاضطهاد وغياب العدالة .

*اغلب العراقيين ( يقرض) الشعر الشعبي وهو السائد الان ، والفضائيات فتحت له الابواب مشرعة. ما اسباب ذلك وتأثيره على تدني الذائقة قدر تعلق الامر بالشعر الشعبي( الرديء) حصرا ؟
-في الشعر الشعبي العراقي هناك نصوص تفوق أحيانا العديد من النصوص الشعرية الحديثة لشعراء في الغرب أو في العالم العربي فيها قدرات تخيلية وفيها سرد لبناء محكم وفيها الجزئية والكلية وفيها القدرة لتوليد مضامين متلاحقة تزخر بالصور الشعرية المؤثرة ولكن محليتها اللغوية رغم مضمونها الكوني جعلها حبيسة جغرافيتها وكان لي أن أجد بالشاعر مظفر النواب ما يغريني على تطبيق مفهومي الفلسفي النقدي عن شعره حيث استعرضت ما شعرت بأن مظفر النواب يقدم في شعره الشعبي شعرا يتجدد كلما تجددت المفاهيم وتطورت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية ، أي أن الحيز الشعري لمظفر النواب لم يكن محددا ببيئة خانقة بل بارتباطاته المتشعبة بالطبيعة بالحزن بالقهر بالغربة بالصوت بالصمت بالصدى بالتاريخ التخيلي .

*الشعراء العراقيون وبينهم من جيلك متهمون بالفوقية وعدم التفاعل مع الواقع؟كيف حصل هذا ؟ – قد يكون لدى البعض من الشعراء العراقيين ومنهم من جيلي الثمانيني مثل هذا التصور وأعتقد أن له ما يبرره فالواقع أحيانا لا يؤمن للشاعر أبسط متطلباته الشعرية كوجود من يعي ما يُكتب وما يطرح وما يراد من كليهما أي ما يريده الشاعر من وظيفة النص الجمالية وما يريده من وظيفته التنظيرية أي أن الشاعر يبحث عن البيئة المناسبة التي تتقبله وعندما يعتد الشاعر بنفسه حد الفوقية فهو يوجه رسالة ما للبيئة الطاردة التي لا تشعر ولا تتحسس الفيض النفسي والعاطفي لمعاناة الشاعر والتي هي في الأصل تعبير عن المعاناة الجمعية .

*ماهي مشاريعك الادبية المقبلة؟
-أنجزت العديد من المشاريع الشعرية والنقدية وكنت أخطط لذلك مع بداية سنة جديدة ويسعدني أنني خلال السنوات الست الأخيرة أصدرت (19 )إصدارا مابين المجاميع الشعرية والإصدارات النقدية وكان آخرها إصداران هما إصداري النقدي ( التراب والأسد ) والإصدار الشعري (المُرسل إليه لا يرى العالم ) وأعتقد أن هذا المنتج في تلك الفترة الزمنية المحددة بالسنوات الست من المشاريع المهمة والأثيرية في مسيرة حياتي الشعرية لكنني دائما أتأمل ما في باطني وفي مخيلتي وفي أفكاري وأعود وأقول هناك مشاريع عظيمة لابد من الوصول إليها وأبدا بالتفكير المغاير لمشاريعي السابقة كي تلد أفكاري ما اريد .
الآن أجد في مشروعي (أم غولينة )وهي رواية تستند في بعض مفاصلها لفلسفة الخلق وكذلك التداخل العرقي والأثني على رقعة جغرافية محدد تجمع أناس بلغات مختلفة وبطبائع مختلفة وبديانات مختلفة وهو العمل الذي وعدت القراء في لقاء سابق لي أن أنجز هذا المشروع في السنة المنصرمة لكني لم أنجزه في الوقت المحدد وكان بصالحي عدم إنجازه في الفترة المحدد حيث أن البنية المكانية (أم غويلينة ) قد تغيرت كليا على صعيد الشكل البنيوي المكاني وعلى صعيد الوافدين إليها وهو ما جعلني أن أعيد النظر ببعض المفاهيم والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ضمن الرواية ،وكتابة مثل هذا العمل (المشروع ) ليس بالأمر الهين ضمن الاتجاهات التي ذكرتها ويحتاج الى المزيد من الوقت الى جانب هذا المشروع الروائي وحين أنهيت القسم الأول من مشروعي النقدي (تفكيك كل شئ من أجل الوصول الى الماضي )الى جانب أم غويلينية بدأت بالطرق على مفاصل نقدية ضمن مفهوم الماضي والحاضر لإستكمال الجزء الثاني من كتابي النقدي والذي صدر الجزء الأول منه عام 2011 تحت مسمى (بعضٌ عن بعض) .

*هل ثمة تواصل مع الحركة الثقافية الكردية وهل ثمة تعاون في هذا الصدد ، وما أهم الشعراء الكرد الذين يجلبون اهتمامك ؟
-ثقافة الكرد كانت على الدوام مثابرة في البحث عن الهوية وترسيخ الوجود الإنساني .
ولاشك أن التحدي الجغرافي والتحدي السياسي لمصير الكرد في العراق كان من الهواجس غير المطمئنة ضمن مسيرة بدء الانفتاح الفكري في الثقافة الكردية . وبطبيعة الحال ورغم العزلة التي عانى منها المثقف الكردي لكن ثقافة الكرد بمجملها كانت ثقافة مؤثرة في المساحة الجغرافية الشاسعة التي يستوطنها الكرد سواء بتماس مع أقوام أخرى أو بالتعايش المشترك ضمن الوطن الواحد فقد كان هم المثقفين الكرد أن يروا تأثير ثقافتهم على أبناء جلدتهم أولا ثم تأثير هذه الثقافة في الثقافات الأخرى لقياس إمكانية التعايش الثقافي وقبول تبادل الأفكار ضمن المجتمعات المختلفة أو ضمن المجتمع الواحد .
ولان الكرد مروا بتجارب مريرة من خلال تهميش وجودهم وحرمانهم من متطلبات الحياة ومنها التعليم على سبيل المثال فقد كانت ثقافة الكرد ومنذ الخمسينيات ذات طابع (وطني – سياسي) يعبر عن حاجة الكرد وحقهم في الحياة السعيدة واستكمال دورة وجودهم في الحياة مع ما كانت تشكل الحروب من متغيرات في البنية الجغرافية ونمط التوجه الثقافي نحو العالم .
فالكرد من الأقوام التي ظُلمت داخل جغرافيتها من قبل من هم خارج جغرافيتها وخارج بعدها الرمزي لذلك تعاظم دور المثقفين الكرد في مواجهة الثقافات ذات التوجه نحو الفردية ضمن لغة غنية باللهجات التي ساهمت في إغناءها بالمفردات والمصطلحات.
وكان لابد للثقافة العراقية في عنوانها العربي أن تتواصل مع الثقافة العراقية في عنوانها الكردي بسبب المشتركات الكثيرة بين الثقافتين وكنتيجة طبيعية لانتشار الثقافة الكردية عبر مثقفيها من خلال مختلف وسائل الإعلام المتعددة .
و تعمق التواصل المشترك المتمثل بالتعاون مابين المثقفين العرب والكرد من خلال الحوارات المشتركة واللقاءات الفردية وتبادل وجهات النظر حول العديد من المسائل الفكرية وهذا ما نفعله الآن مع العديد من المثقفين الكرد .

ان الشعر في كردستان مر في مراحل متنوعة شأنه في ذلك شأن الشعر العربي فقد بدأ الشعراء الكرد ضمن التوجهات الصوفية وكان ذاك في مطلع القرن السادس عشر وكانت صوفيتهم تعني ثنائية (الإله والذات ) ضمن مثنوية رباعية ونصوص أخرى ذات طابع سردي وقد ترك لنا أحمد خاني وملا أحمد الجزيري العديد من النصوص التي تؤشر توجه تلك المرحلة .

وهنا لابد من الإشارة أن منتج الكرد الفكري والشعري أفتقر الى التدوين رغم عراقة ما كتب في الشعر والملاحم وفي الأساطير وغياب التدوين أضعف الى وقت ما حضور منتج الكرد بين الإنتاج العالمي ،وقد بدأت بعد ذلك مرحلة مهمة من تاريخ شعر الكرد وهي مرحلة بداية النهضة الشعرية حيث أسس الشعراء الكرد موجودات جديدة لهم وغايروا ما كتبه أسلافهم الذين سبقوهم وفتحوا باب الدخول للحداثة الشعرية ولاشك أن تاثير الفتح الشعري في قصيدة الشعر الحر وقصيدة النثر كانا واضحين على مسار الشعراء الكرد بل أنهم ونتيجة لهذين المؤثرين اللذين ذكرتها وقد يكون تقليدا لمجلة شعر قام مجموعة من الشعراء الكرد بتأسيس تجمع (روانكة ) .

والذي يهم هنا أن الشعراء الكرد لم يعيشوا الشعر بمعزل عما يجري من تحولات في الساحة العربية والعالمية وهو مؤشر يدل على تعاطي الشعراء الكرد لتقليب التجارب ودراستها ومقارنتها والإفادة منها ضمن خصوصية الشعر الكردي في شكله ومضمونه وهنا تحضر في هذه المرحلة مرحلة بداية النهضة الشعرية أسماء لشعراء بابا طاهر الهمداني ،وحاجي قادر كويي وآخرين كثر.
وبالتأكيد فأن هذا الحراك الشعري قد جدد المفاهيم القديمة لوظيفة الشعر ولمفهوم اللغة والصورة الشعرية والتحول التدريجي من العاطفة الى صراع النفس ليفتح ميره ميرد وفائق بيكس وجكر خوين وعثمان صبري وعبد الله كوران ، وشيركو بيكس ليقدموا رؤية جديدة في مضامين نصوصهم الشعرية دون التأثر المباشر والحاد لمؤثرات البيئات الخارجية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات