19 ديسمبر، 2024 2:04 ص

الشاعر شيركو بيكه س ، صمود اسطوري للبقاء في قمة الابداع

الشاعر شيركو بيكه س ، صمود اسطوري للبقاء في قمة الابداع

من خلال قراءة مراحل تطور الشعر الكردي الحديث ‘ والذي بدء من ثلاثينيات القرن العشرين على يد المبدعين من الشعراء (عبدالله كوران) و (شيخ نوري شيخ صالح) ومن بعدهم (كامه ران ) وأسماء كثيرة أخرى ‘ ثم مطالعة لمسيرة المرحلة الثانية من مسيرة الابداع الشعري الكردي الحديث ‘ حيث مرحلة التجديد الاكثر نضجاً في الشعر والتي بدءت  في سبعينيات القرن الماضي والتي سميت بـ( روانطة –  مرصد الحداثة) وظهر في تلك المرحلة ‘ كثير من الاسماء اللامعة والمؤثرة في الشعر الكردي الحديث المنطلق من جذور الخاصية الكردية و المنسجم في الشكل واالمضمون مع روح العصر عموماً والتطورات التي حدثت في حياة الكرد منذ ذلك التاريخ والى الان ‘ من تلك الاسماء ( شيركو بيكه س و  جلال مرزا كريم و عبدالله به شيو و لطيف هه لمه ت  و انور جاف  انور شاكه لي ..والاخرين )  .
من خلال عرض موضوعي لمسيرة الشعراء الكرد في المرحلتين الحديثتين (إن صح التعبير ) اي مرحلة التجديد التى بدءت على يد  طؤران واحمد هه ردي وظهور متميز للشاعر كامه ران  في الخمسينيات وجمال شاربازيرى ‘ ثم مسيرة شعراء السبعينيات ‘ نرى وبوضوح أن أي من هؤلاء الشعراء والذي وصل بعضهم خلال ستينيات القرن الماضي لقمة العطاء والابداع وكانو مؤثرين بشكل واضح على الناس في المجتمع الكردي عموماً ومحبي الشعر على وجه الخصوص أن نهاية الستينيات كانت مرحلة توقف كل الشعراء عن أضافة اي إبداع جديد بل ان قمتي تلك المرحلة (كوران)  و  (كامه ران)   توقفا  بشكل نهائي عن إضافة اي شيء على ابداعاتهم الشعرية ونقشت هذه الظاهرة بشكل واضح في الصحافة الادبية الكردية في حينه ‘ ورحل عملاقيين في الابداع الشعري الكردي الحديث  وهم متوقفين تماماً عن إضافة اي شيء جديد في عالم الشعر وقبلهم بسنوات عدة توقف الشاعر (هه ردي) عن العطاء .
وعندما نأتي على قراءة مسيرة العطاء (مبدع وحيوي ومؤثر على جماهير من محبي الشعر ) لشعراء مرحلة التجديد الثاني والتي بدءت في السبعينيات ‘ نرى نفس الظاهرة (توقف العطاء المؤثر الذي يضيف شيء جديد على خزين الابداع الشعري) لدى أكثرية الاسماء التي كانت لامعة لحين أخر أيام  تسعينيات القرن الماضي ‘ وبقى إسم لامع ومشع في العطاء والابداع الشعري ولللان في هذه المسيرة ولم يتوقف قلمه كما دقات قلبه عن العطاء … وهو الشاعر (شيركو بيكه س ) .. بحيث وأنت تراجع مسيرة حياة هذا العملاق في عالم الإبداع لايسعك إلا القول : أن الله خلق هذا الإنسان مبدعاً للعطاء في عالم الشعر مؤثراً على روح كل من يحب الشعر الى اليوم الذي يفني فيه جسده بل ترى ان شيركو يتنفس شعراً ومتى ما توقف … فيتوقف الشعر …
أخر ما قراته لـ ( شيركو) كانت قصيدة ( خريف .. داخل الخريف..!!) يشهد الله على ما أقول : لم أبكي مثل ما بكيت إلا عند رحيل شريكة حياتي (خالدة) مع كل سطر من سطور هذه القصيدة  بكيت ‘ لانني شعرت بعمق هذا المبدع في الشعر ولا يتألم إلا عندما يشعر بإقتراب الخريف ليس لانه يؤدي الى فناء الجسد ‘ فهو صوفي الذي ينتظرها  ‘ بل لانه يتوقف عن اضافة ابداع جميل للحياة من خلال العطاء الشعري  . 
في وقت مبكر  ‘ وقبل وبعد   معرفتي الشخصية بالشاعر ‘ كنت أقول دائماً (ويتذكر ذلك أصدقاء) : أن شيركو بيكه س ‘ لا يصلح أن يكون شيء إلا أن يكون شاعراً ويعيش ليضيف إبداع في عالم الشعر ولا تبدل كل كنوز الدنيا بثروت إبداعه الشعري الذي ينبع من خلال كل حركاته وتصرفاته ‘ وسترون سيبقى هذا الرجل في قمة ابداع الشعر الكردي ولا احد بوسعه ان ينافسه وهو متنمي الى الارض و الانسان الكردي من خلال روح الشعر وهذا باختياره ومصيره وسيكون دائم العطاء ودائم الابداع .
عشت معه في بدايات صراع الاجيال عندما اطلق معنا نداء تجديد وكسر القيود المبدعين من خلال ( نداء المرصد الشعري ) ‘ وعشت معه  في الجبل وتحت خيمة واحدة ومعنا الشاعر الصديق (أنور جاف )  ‘ قلبه ‘ قلب طفل لايفتح بابه إلا للحب ‘ بكيت معه عندما انفجر بكاءً حين قرأ اول رسالة وصلته من عائلته وهو في الجبل وتتحدث الرسالة عن شوق اولاده ‘ وبكى معي عندما قرأ الرسالة التى اخبرتني بموت إبنتي (ناسك ) وانا في الجبل ..
كنت في غرفتي في صحيفة (هاوكارى ) عندما وصلني خبر تكليف الشاعر بمنصب وزير الثقافة في اول حكومة تم تشكيلها في اقليم كردستان ‘ وكان معي الاخ د.محمد الزهاوي و الصحفي الراحل فاروق علي عمر ‘ قلت لهم : لاول مرة يقع شيركو امام اصعب إمتحان للاختيار بين بهرجة الاسم وموقع الوزير وبين عالم الشعر ‘ وبقدر معرفتي به ‘ انه  لايختار في نهاية هذه المهنه لان روحه الشاعرية تمنعه وهو ينتصر لهذه الروح وسترون !  وقبوله به الان نابع عن عواطف استجابة لاول تجربة قومية بإتجاه تقرير المصير وليس حباً بالموقع ‘ ولم يمر وقت طويل حتى قدم إستقالته  وعاد الى عالم الشعر ….
والأن ‘ رحل  هذا العملاق وهو في في قمة عالم الإبداع الشعري ‘ قامة لاتصلها اي قامة اخرى ‘ في اخر ايامه وهو راقد في المستشفى كنت اراه كأنني معه ‘ يحرك اصابعه كانه ينظم إيقاع كلمات قصيدة جديدة تعطي معنى الخلود للخريف الذي دخل جسده والخريف الوحيد لايؤدي الى سقوط اوراق الشعر الخالد ابداً تحت عنوان (شيركو في قمة الابداع مشعاً طريق امام الاجيال ) وبعد أخر لقاء معه اهديته النص الذي كتبتة له بعد قراءتى لقصيدته الرائعة (خريف داخل خريف) :
( ….. فهمت معنى ضوء الفرح ‘‘ المشع من عصارة الروح ‘‘ عندما كنت أجلس معكَ ‘‘ على ضفاف ( دجلة الخير) في بغداد ‘‘ ونزلت أغلى دمعة
من عيني ‘‘ حزناً … لها لون القصيدة نابعة من الروح….‘‘ لفراق الأحبة … ‘‘ وفي أيام  ‘‘ كانت تأخذنا عاطفة حب  ‘‘ الأرض والمكان ….‘‘ عند لقائاتنا الجبلية ‘‘ ماكان  لأحد… ولايزال – بمقدوره العزف على الالوان –
ويوزع تراتيل الحياة  ‘‘ على أوتار الالوان ‘‘  حزناً وفرحاً ‘‘ شتاءً وربيعاً وتهب النسمة ‘‘ في عز الصيف ‘‘ وينثر الضوء الذهبي لموسم الخريف …..غيركَ .
ياشيركو ..‘‘ طوبا لمن حزنَ معك ‘‘ وفرح معكَ….‘‘ وفهم الشعر  من النظر وبتعمق في وجهك ‘‘ مشتعلاً كالضوء الأبدي حزناً ‘‘ ورقصاً… كرقصة الدراويش ‘‘ وأضاءة الدنيا فرحاً ‘‘ وبئساً لمن يرى ظلك ولايرى
ضوءكَ ‘‘ ولايفرح في ظلالِكَ الممتد ‘‘ من قمة الجبال إلى كل السهول
مشعةً بالمحبة .
      وضفاف دجلة الخير في قلب بغداد ‘‘ حزيناً لبعدكَ …وفرحاً بإمتداد شعركَ ‘‘ بإحزانها وأفراحها ‘‘ في كل الدنيا ‘‘ وأصبحت قصائدكَ (خبز) لإشباع الروح ‘‘ مزداناَ بكل الوان الحياة ‘‘ مواجهاً الحزن الجميل ‘‘ والضوء المشع ‘‘ عندما يتسع الفرح ‘‘  )

أحدث المقالات

أحدث المقالات